للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[انقسام الشباب إلى فريقين]

إن شباب هذه الأمة اليوم قد باتوا على فريقين، فريق من الصالحين وفريق دون ذلك، فريق من أمثالكم {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور:٣٦] ولكن الصنف الآخر نسأل الله لهم الهداية ونسأل الله أن يردهم إلى الحق رداً جميلاً، ونسأل الله ألا يجعلهم حطباً لجهنم، ونسأل الله ألا يصدق فيهم ما يخططه الكافرون ويتربص بهم الملحدون، فريق آخر جلّ أوقاتهم على الأرصفة بعيداً عن المساجد، يسمعون حي على الفلاح، فلا يحضرونها، وإذا دعوا إلى سهرة في منتزه وجدتهم يجتمعون لها، تراهم على أماكن اللهو يعيشون حياة الضياع، سماهم اللهو والغناء، ونظرهم الأفلام والمسلسلات، صدور كاسيات وأفخاذ عاريات، سماعهم ورؤيتهم فيما حرم الله، وحديثهم فيما يبعدهم عن الله عز وجل، فيا أيها الشاب: احمد الله إن كنت من الأوائل، والحذر الحذر أن تكون من الأواخر، إن كنت من هؤلاء الأواخر فعليك بالتوبة فإن بابها مفتوح، ورب العزة عز وجل يناديك وينادي عباده أجمعين: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:٥٣]، {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:٢٢]، أفمن يرضى لنفسه مخالطة الأشرار وأصحاب السوء أهدى أمن لا يرضى إلا بمخالطة الصالحين والأخيار؟! أفمن ثقافته المجلات الخليعة والأفلام الماجنة أهدى، أمن تشرب قلبه بالقرآن والسنة واستماع كلام أهل العلم؟! أفمن يعيش ليأكل ويشرب وينام باسم الإسلام أهدى، أمن يعيش للإسلام ويضحي بدمه وماله رخيصاً لهذا الدين؟! أيها الأحباب: إن هؤلاء الشباب وإنكم جميعاً لفي سعي {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل:٤] والإنسان قد خلق في كبد {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:٤]، والإنسان كادح ماضٍ في عمل، فإما كبد في طاعة وإما كبد في معصية، وإما كدح في طاعة وإما كدح في معصية، {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:٦] فأما الصالحون فكدحهم وكبدهم في سبيل الله وطاعته، وأما العصاة فكبدهم وكدحهم في تلبية شهوات أنفسهم، وصدق نبينا صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) وقول الله عز وجل من أوضح وأبلغ الأمور في هذا: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:٧ - ١٠].

من زكى نفسه بالطاعة، فهو من الفالحين، ومن دسَّى وأخزى وأذل نفسه بالمعصية فهو من الضالين الخاسرين، {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر:١٥] من الناس من يبيع نفسه ابتغاء مرضاة الله، ومن الناس من باع نفسه وأعتقها، ولكن من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة:٢٠٧]، ومنهم من يضل ويضل {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الأنعام:٢٦].