للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شاب نشأ في عبادة الله]

أما الثاني في أولئك الثلة الذين هم في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله: فشاب نشأ في عبادة ربه، أو شاب نشأ في عبادة الله جل وعلا، وفي بعض الروايات: (شاب نشأ في عبادة ربه حتى توفي على ذلك) وفي حديث آخر: (شاب نشأ في عبادة ربه أفنى نشاطه وشبابه في عبادة الله جل وعلا) وهذا شرط مهمٌ حينما يحصل الإنسان فضيلة من الفضائل وعد الشارع عليها بثواب جزيل، فإن من شرط نيل هذا الفضل أن يثبت عليها وألا يأتي بما يناقضها كما يقول شيخ الإسلام/ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب حفيد إمام الدعوة رحمه الله لما ذكر باباً في فضل لا إله إلا الله: (من قال لا إله إلا الله خالصاً مخلصاً من قلبه دخل الجنة) وفي حديث أبي هريرة لما توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاك إلا أدخله الله الجنة) قال الشيخ سليمان: فهذه الأحاديث التي جاءت في فضل لا إله إلا الله قد قيدت بالقيود الثقال: أولها: الثبات على لا إله إلا الله حتى يلقى الله بها، الثبات على كلمة التوحيد، كلمة الإخلاص والشهادة بالوحدانية والرسالة حتى يلقى الله جل وعلا بها.

الأمر الثاني: ألا يأتي بما يناقضها، وما أكثر الذين يقولون: لا إله إلا الله، وبعضهم يناقضها في كل صباح، أو في كل أسبوع، أو في كل شهر، أو في كل سنة، أو في عمره مرة، عجباً لأولئك الذين يرددون لا إله إلا الله ويصدق فيهم قول الله جل وعلا: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦].

إن من الناس من يعتقد أنه موحد، وإذا قلبت أمره، وجدت في حقيقة أفعاله ما يخرجه من الملة، فمن ذلك استهزاؤه بالدين، ومن ذلك استهزاؤه بالسنن، ومن ذلك تضايقه أو تبرمه وكراهيته لما شرع الله وشرع رسوله، حتى وإن كان هذا الأمر المشروع بالنسبة له من الأمور التي يفعلها ويطبقها، فإن من فعل عبادة وهو يكرهها متبرماً منها متضجراً من فعلها، فإن هذا لا يقبل منه، بل هذا مظنة كفر وخروج عن الملة كما قال إمام الدعوة الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب: ومن نواقض التوحيد أن يكره العبد شيئاً جاء به الله أو جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستدل بقول الله جل وعلا: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:٩].

ومن نواقض التوحيد أيضاً: كل فعل أو قول يفضي إلى الشرك سواءً كان جلياً أو كان خفياً، أو كان ذبحاً أو استعانة أو استغاثة أو اعتقاداً بأن الله جل وعلا معه من تصرف له شيء من العبادة أو معه من يدبر الكون، أو كما فعلت الجهمية والمعطلة الذين نفوا عن الله صفاته وجعلوا إلهاً من العدم سموه إلهاً، ونفوا عنه كل الصفات، وأولئك كما قال الإمام:

ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشرٍ من العلماء في الأزمان والأوطان

واللالكائي الإمام حكاه عنه بل حكاه عنهم الطبراني

إن أولئك وإن اجتهدوا في العبادة، لكنهم يمرقون في مسائل الصفات إلى حد الخروج بها عما لا يليق بالله جل وعلا من التعطيل أو الإغراق في التشبيه، فأولئك ممن أتوا بنواقض التوحيد ولا حول ولا قوة إلا بالله! نعود إلى أصل موضوعنا: شاب نشأ في عبادة ربه، أين الشباب الذين ينشئون في عبادة ربهم؟ أين الشباب الذين يقدمون مرضاة الله على أهواء أنفسهم؟ أين الشاب الذي إذا وقف أمامه داعيان: داعي الهدى وداعي الردى، داعي الفضيلة وداعي الرذيلة، داعي الغواية وداعي الهداية، داعي الاستقامة وداعي الانحراف، قدم داعي الهدى والهداية والاستقامة وما يرضي الله جل وعلا على ما يخالفه؟ إن كثيراً من شبابنا، إن كثيراً من أحبابناً -نحبهم وندعو لهم بظهر الغيب سراً وعلناً، جهاراً ونهاراً وإعلاناً وإسراراً- ولكننا نعلم -أسأل الله أن يهديهم- أن الواحد منهم إذا خلا بمحارم الله ارتكبها وانتهكها، ونعلم من بعضهم أن الواحد منهم حينما تعرض له شهوة ذاتية أو شهوة شخصية قدم شهواته على ما كان يدعيه أو يقوله بلسانه ولا حول ولا قوة إلا بالله! ولماذا ذكر الشاب في هؤلاء السبعة؟ لأنه شاب يملك القوة، قوة الفكر وقوة البدن وقوة الغرائز وقوة الحواس، واجتماع هذه القوى مظنة إلى سيره واتجاهه إلى المعصية، فكان من هذا الشاب الذي يعجب ربنا منه ليس له صبوة، يوم أن يكبح جماح نفسه ويوم أن يقهر عنان شهواته، ويوم أن يقود نفسه إلى مرضاة الله جل وعلا، وما يرى من منكر أو فتنة أو دعاية إلى ضلالة أو دعوة إلى انحراف يقول: إني أخاف الله، ويذكر ربه ويقول: معاذ الله، إنه ربي أحسن مثواي، يوم أن ينشأ في طاعة الله فلا يرى إلا حلالاً، ولا يسمع إلا حلالاً طيباً، ولا يقرأ إلا كلاماً نافعاً، ولا يمشي إلا إلى حلق الذكر ورياض الجنة، ولا يمد يده إلا بما ينفع ويشفع، ولا يقبض بيده إلا ما كان طيب المطعم، ولا يفكر إلا كيف يزيد من إيمانه، كيف يرفع مستوى إخلاصه، كيف يصل إلى درجات المؤمنين، كيف يبلغ درجات المحسنين، كيف يبلغ درجات الموقنين، كيف يكون من المخلَصين والمخلِصين، يفكر بهذا، أو يفكر كيف يصلح أمه، كيف يصلح زوجته، أو يصلح ابنته، أو أخواته، كيف يدعو والديه أو كيف يدعو جيرانه أو زملاءه في المدرسة.

هذه همومه وهذه أفكاره وهذه اتجاهاته، ليس شاباً همه أن ينتصر الهلال على النصر، أو الاتفاق على الوحدة أو الأهلي على الزمالك أو غيرها من سائر اهتمامات كثير من شبابنا، ليس شاباً يتمنى أن تفوز دولته أو بلاده في دوري الأربعة أو في كأس العالم، ولكنه لا يهمه أن يذبح المسلمون في آسام أو في سنيقار أو في سيريلانكا أو في كمبوديا أو في الصين أو في أي مكان من الأماكن.

من شبابنا من هذه همومه: أن تصل بلاده إلى دوري الأربعة، ولكنه لا يهتم أن تصل أمته إلى أرقى درجات التوجيه والقيادة والريادة في هذا العالم المعاصر، من شبابنا من همومه أن يصل مستوى المسرح الوطني والأغنية الوطنية إلى مستوى منافس للأغنية الخليجية أو الأغنية الغربية أو الفلكلور الغربي ونحو ذلك، لكنه لم يهتم كيف ينقذ إخوانه الضائعين في ماخور البغاء وفي مواقع الرذيلة ومنحدر المخدرات، وفي أوكار الفواحش والزنا واللواط.

إن من الشباب من لا تفكير له إلا في كل سافل من الفكر وكل ساقط من الهمة وكل رديء من الأمان، فأولئك كيف نرجو أن نرفع بهم رأساً؟ شباب هذه اهتماماتهم، اهتمام الواحد منهم أن يملك سيارة مكشوفة، اهتمام الواحد منهم أن يجد صديقة لا تخونه، اهتمام الواحد منهم أن يجد عشيقة لا تفارقه، أبمثل هؤلاء تحرر فلسطين؟ أبمثل هؤلاء تحرر أفغانستان؟ أبمثل هؤلاء ننقذ بنات المسلمين في سجون أرتيريا اللواتي هن حبالى من الزنا، وقد أنجبن ما لا يقل عن ألفي طفل من السفاح والزنا؟ أمثل هؤلاء الشباب نرجو أن تعود أسبانيا إلى سيطرة الإسلام؟ أمثل هؤلاء الشباب ممن نرجو أن يرتفع مستوى الإعلام ليكون إسلامياً على مرضاة الله؟ أن يرتفع مستوى الاقتصاد لتكون المعاملات وعوامل الإنتاج وحركة المال والسياسات النقدية والتجارة الدولية لتكون على أوسع وأحدث نمط وأكثر الأنظمة تقدماً على مرضاة الله جل وعلا؟ نريد شباباً نشئوا في طاعة الله، يفكرون في هموم الإسلام، يفكرون في هموم المسلمين، كيف يدير الإسلام إعلاما، كيف يدير الإسلام اقتصاداً، كيف يدير الإسلام سياسة، كيف يدير الإسلام تعليماً، كيف يدير الإسلام تربية وشباباً، كيف يدير الإسلام هذه الأمور على نحو يحقق مرضاة الله جل وعلا، من نشأ في طاعة الله فهنيئاً له أن يكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

وكما قلت: خص الشباب لأنهم مظنة الشهوة واجتماع الغرائز والنشاط.

علمت يا مجاشع بن مسعدة

أن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة

يا للشباب المرح التصابي روائح الجنة بالشباب

الشباب قوة فإما أن تكون قوة بناء، وإما أن تكون قوة هدم، إما أن يكون الشباب قوة عمار وإما أن يكونوا قوة دمار، أين الشباب الذين ننتظرهم بكل مجال وبكل صعيد أن يكونوا على هذا المستوى؟