للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجنة تريد عملاً

بقي أيها الأحبة في الله أن نقول ما تعلمون، وأن نذكر ما تعرفون: أن الجنة تريد عملاً، والعمل لا يشترط بعد المفروضات والواجبات أن يكون منصباً في جانبٍ معين، فإن ترك المحرمات، وحسن معاملة الناس من أعظم الأعمال، ولذلك لما سئل صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة، قال: (تقوى الله، وحسن الخلق) والتقوى: الخشية من الله في السر، فليس عجيباً أن تكون مؤدباً بين الناس، لكن إذا أغلقت الحجرة على نفسك، هل بينك وبين الله أدب؟ ليس عجيباً أن تكون خلوقاً طيباً لبقاً بين الناس، لكن إذا أرخيت الستر وأغلقت النور على نفسك هل يكون هذا الأمر موجوداً؟ التقوى: مراقبة الله في السر، خشية الله في السر، أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك من مقامات الإحسان.

أيها الأحبة: من الأعمال: الكف عن المعاصي، وبكل صراحة احفظوا هذه القاعدة: (نحن في هذا الزمان لا نشكو من قلة الحسنات، ولكن نشكو من كثرة السيئات) رُب بعض الناس يعمل أعمالاً ما فعلها بعض التابعين، قد تجد رجلاً يبني مسجداً، وينفق، ويعطي أشياء كثيرة، هذه الأمور بعض التابعين وبعض علماء المسلمين ما قدروا عليها، ولكن مع كونه بنى مسجداً، وأنفق وكفل أيتاماً، ما أكثر ما ترى من ذنوبه وسيئاته! وما أكثر ما ترى من زلاته وهفواته! فإذا كانت النتيجة النهائية ومحصلة الرصيد وجدت أن مجموع السيئات أكثر من رصيد الحسنات، إذاً العمليات الهامشية في الحساب في الدائن والمدين ليست مشكلة، المشكلة في الرصيد النهائي، لا تعجب أن تخسر مائة ريال لكنك في النهاية تجد في الرصيد أرباحاً كثيرة، المشكلة أن تغتر برصيدك الدائن وتنسى نصيبك في المدين، أن تنسى الخسائر، أن تنسى الذنوب التي تعصي الله بها ليل نهار، وإن كثيراً من الناس عنده عدد من الذنوب يومياً يرتكبها ويفعلها، وله جانبٌ من الحسنات.

نسأل الله جل وعلا أن يعينه على ترك الذنوب وأن يبارك له بالقبول بحسناته.

أقول أيها الأحبة: ليست المشكلة قلة حسنات، فقد جاء أعرابي قال: يا رسول الله! ما عندي غير الصلاة والصيام وحج البيت وأمور الأركان الخمسة، والذي بعثك بالحق لا أزيد على هذا، لم يقل: أريد صيام اثنين وخميس، ولم يقل: سوف أجاهد، ذكر فقط الواجبات الخمسة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفلح إن صدق) وفي رواية: (من سره أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا) لكن التزامٌ بالواجبات مع عدم وقوع وولوغ في المحرمات والمعاصي، لكن الآن تجد عندنا تقصيراً أو تفريطاً في بعض الواجبات، توجد عدد من الحسنات، لكن تجد كثرة وإسرافاً في السيئات، فيظن الإنسان أن عنده خيراً كثيراً، ويجهل أنه في خسارة كبيرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

إذاً القاعدة: (ليست المشكلة قلة الحسنات، لكن المشكلة كثرة السيئات) إذا حصَّل الواجبات فكثر الله ألفَ ألفٍ خيره، لكن المصيبة كثرة السيئات وعدم المبالاة بها، تجد رجلاً يجلس ويبحلق بعينه في صورة امرأة لا يحل له النظر إليها، ولو قيل له عن رجلٍ يفتح النافذة وينظر إلى بنت الجيران، لقال: هذا خسيس، هذا نذل، هذا لا يستحي على وجهه، وأنت خلفه أما تستحي على وجهك؟! فعلاً القضية أن الإنسان عنده حسنات، لكن عنده سيئات كثيرة، فالمصيبة ليست قلة الحسنات فقط، ولكن المصيبة كثرة السيئات ولا حول ولا قوة إلا بالله.