للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعوة إلى المسارعة في الخيرات]

دعوة إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فهل من ملبٍ؟ يقول الله جل وعلا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:١٣٣] ويقول جل وعلا: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:٢١].

أيها الأحبة! هذه الآيات البينات الجليات الواضحات من خِطاب رب الأرضين والسماوات، يدعونا فيها ربنا الغني عنا، ربنا القوي يدعو عباده الضعفاء، العزيز يدعو عباده الأذلاء، الجبار يدعو عباده المساكين أن يسارعوا، وأن يسابقوا، وأن يبادروا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، والمسارعة والمسابقة تعنيان: المبادرة إلى تحصيل شيء ربما فات بالتأخر عنه، وربما ندم من تكاسل في طلبه، سيما إذا كان الأمر الذي يفوت شيئاً عظيماً تتعلق به النفوس، فكيف إذا كانت الدعوة إلى المسارعة إلى دارٍ خلودها أبدي، ونعيمها سرمدي، وأحبابها لا يتفرقون، وصحتها لا سقم فيها، وسعادتها لا يُكدرها شقاء، فمن فاتته الجنة، فأسألكم بالله في أي مقام وأي فريق يكون؟ فما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار:

فحيَّ على جنات عدنٍ فإنها منازلك الأولى وفيها المخيمُ

ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلمُ

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها

فإن بناها بخيرٍ طاب مسكنه وإن بناها بشرٍ خاب بانيها

فاعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها

هذه الدار يدعونا ربنا جل وعلا أن نُسارع إليها، والطريق إليها سهلٌ، والسبيل إليها ميسرةٌ، والأسباب إليها ميسرةٌ بمنٍّ من الله جل وعلا، فلا تظنوا أن هذه الجنة بعيدة المنال، وأن طلبها ضربٌ من المحال، بل كما صلى الله عليه وسلم: (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله) فاللهم إنا نسألك الجنة، اللهم إنا نسألك الجنة، اللهم إنا نسألك الجنة.

يقول نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام البخاري: (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك) أي: ربما وقع العبد في عداد أهل النار، وكان منهم بعملٍ يسير حقير يظن أن مثل هذا العمل لا يُورد إلى المهالك، وإلى دركات النار والشقاء والجحيم، وربما يستقل العبد عملاً من الأعمال، وهذا العمل هو بإذن الله من موجبات الجنة.

إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريقُ

والليالي متجر الإنسان والأيام سوقُ

استبقوا إليها، سارعوا، بادروا، اطلبوا وهلموا، قال ربنا: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:١٤٨] أي: سارعوا إليها، وقال صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا) رواه الإمام مسلم.

أيها الأحبة! إننا في زمن الفتن، وإننا في زمن الأهواء، وفي زمن الضلالات، وفي زمن الأفكار الهدامة، والمذاهب الضالة، والغوايات المبهرجة، والدعايات المضللة التي وقع بسببها كثيرٌ من الناس، ربما أمسى مهتدياً فأصبح ضالاً، وربما أصبح مهتدياً فأمسى ضالاً، وأقوامٌ أصبحوا مؤمنين فأمسوا كافرين، وآخرون أمسوا مؤمنين فأصبحوا كافرين.

فالنبي يدعونا أن نبادر أوقاتنا وأنفاسنا وأعمالنا وحياتنا قبل أن نقع في هذه الفتن، أو تقع بنا، قبل أن نرد عليها، أو ترد علينا، والعاقل من اجتهد، والكيس من دان نفسه.