للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاغترار بالصحة والعافية]

أيها الأحبة: ومما يحول بيننا وبين الاشتغال والاهتمام بأمر الآخرة أننا نغتر بالصحة، أن الواحد ربما حمل أثقالاً على رأسه، وحمل على يديه أوزاناً ثقيلة، وتنافس مع القوم في مصارعة ومطارحة مغتراً بعافية بدنه، وما علم أن العافية عارية ربما أخذت ولا يزال الروح باق في البدن، كم من أناس كانوا يهزون الأرض حينما يعدون، وكانوا يسابقون الخيل حينما يستبقون، وكانوا يأكلون ويشربون وينكحون، أتاهم من أقدار الله ما جعلهم معوقين لا يتحركون، فالعاقل لا يغتر بصحته: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:٦ - ٧].

إن الله جل وعلا قادر أن يسلب هذه الصحة ويبقي البدن؛ ليتدبر الإنسان بنفسه من نفسه، وبقلبه من حاله، وبفكره من مآله، حتى ينظر في أي شيء يغتر الواحد:

فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر

أيها الأحبة في الله! العاقل لا يغتر بما عنده ولا بما أوتي ولا بما بين يديه:

إذا الرجال ولدت أولادها وبليت من كبر أجسادها

وجعلت أسقامها تعتادها تيك زروع قد دنا حصادها

إذا الرجل أنجب أولاده، وأصبح جداً بعد أن كان أباً، ثم بات جسده بالياً أو أوشك أن يبلى، وأصبحت الأسقام تعاوده، فليعلم أنه زرع قد دنا حصاده، ولأجل ذلك قال أحد السلف: يا أهل الستين! قد أعذر الله إلى امرئ بلغه الستين من عمره، ويا أهل السبعين! زرع قد دنا حصاده: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وقليل من يجاوز ذلك) ويا أهل الأربعين! علام الانتظار والأجل قد دنا: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ} [الأحقاف:١٥]؟ العاقل يدرك -أيها الأحبة- أن ما مضى من أيام الغفلة لا يلتفت إليه، وما بقي من أيام العمر لا يعلم ما الله صانع به.

ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.