للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحياة الحقة لا تنتهي بالموت]

أيها الإخوة حينما يكون للحياة معنى سنظل أحياء ولو كنا في المقابر، فـ سيد قطب رحمه الله هل هو الآن من الأحياء أم من الأموات؟ هو والله من الأحياء، كتبه مؤلفاته وفيها خير كثير، ولا تسلم من شيء والبشر لا يسلمون لكنه من الأحياء حتى وإن كانت نهايته أن يشنق على خشبة صفراء أو حمراء، قبله شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أليس من الأموات؟! ولكنه حي مع الأحياء، كتاب التوحيد تعجبون أيها الإخوة أن بكين عاصمة الصين الكبرى فقد كنت في زيارة من مدة قريبة كنت ذاهباً إلى الصين في بكين وجدت مدرسة يدرس فيها رجلٌ عجوز من أهل الصين، ماذا يدرس؟ يدرس الأصول الثلاثة وكشف الشبهات، رحمك الله وأسكنك فسيح جناته وجمعنا بك في الجنة، متى توفي الشيخ الإمام المجدد العلامة محمد بن عبد الوهاب؟ ١٢٠٦هـ ونحن الآن ١٤١٢هـ والأصول الثلاثة وكشف الشبهات تدرس في الصين ليست دولة لا دينية أو دولة علمانية أو دولة نصرانية، دولة أهل كتاب، وإنما دولة ترى أن الدين أفيون الشعوب، دولة الإلحاد: لا إله والحياة مادة، إن الرجل في قبره وحياته فوق ظهر الأرض بل في أقاصي البلاد، ليس في هذه الجزيرة وحدها وإنما في أبعد نواحي الدنيا، هذه هي الحياة الحقيقية.

وميت ضجت الدنيا عليه وآخر لا تحس له نعيا

الناس ألف منهم كواحد وواحد كألف إن أمر علا

وكما في الحديث الصحيح عن ابن عمر: (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة) نعم ما أكثر الخلق الذين نراهم، ما أكثر الذين يملئون الطرقات والشوارع والمساجد والمدارس والجامعات والمؤسسات والشركات والدوائر لكن لا تكاد تجد في كل ألف إلا واحدا، كما قال ابن قيم الجوزية رحمه الله في نونيته الكافية الشافية:

يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحد لا اثنان

يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنت غالية على الكسلان

يا سلعة الرحمن سوقك كاسد بين الأراذل سفلة الحيوان

يا سلعة الرحمن سوقك كاسد فلقد عرضت بأيسر الأثمان

أيها الإخوة! حينما يكون للحياة معنى، سنظل أحياء حتى وإن كنا في قبورنا، إنا لنرجو الله جل وعلا إن يصل أجرنا ونحن في اللحود والقبور، لعلها ببركة من بركات القبول التي يمن الله بها علينا لشريط من الأشرطة، محاضرة من المحاضرات، كلمة من الكلمات، كتيب من الكتب، رسالة من الرسائل، جولة غدوة وروحة في سبيل الله لدعوة ضال أو توجيه منحرف أو مناقشة صاحب شبهة، يرجو الإنسان أن يبقى حياً وإن كان ميتاً، هذه هي الحياة الحقيقية، يبقى لك الذكر بعد موتك، يبقى الثناء وتذهب الأموال ويبقى الثناء والحمد بخير، ولكل عصر دولة ورجال:

دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني

فاحفظ لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني

شيخ الإسلام ابن تيمية أليس حياً من الأحياء؟ بلى والله، فقد توفي في أوائل القرن الثامن ٧٢٠هـ، وابن قدامة، وابن عبد البر، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن حجر، علماء الإسلام، كل أولئك ما زالوا أحياء وإن كانوا الآن في قبورهم، أياً كانت نهايتهم ماتوا بالقتل، أو ماتوا حتف أنوفهم، أو ماتوا على فرشهم، لكنا رأينا حياتهم، ورأينا ما كتب لهم من القبول، حفيد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وهو سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب قال له الأتراك في ذلك الزمن: أنت تكفرنا، قال: نكفر كل من يعبد القبور، ويتوسل بها، ويرجو منها جلب المنافع ودفع الكربات وتحقيق الغايات، قالوا: ما ترجع عن قولك هذا؟ قال: لا، فأتي به وهو العالم النحرير العلامة الذي ألف من أشهر كتبه تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، يقول في مقدمة هذا الكتاب: وإني لأعرف رجال الحديث أكثر من معرفتي بأهل الدرعية.

وهذا من علمه وتحقيقه، هذا الرجل لما فتن في هذا الباب، في باب التوحيد ثبت ولزم عقيدة الأنبياء والمرسلين، ماذا فعل به؟ عزفت الموسيقا بين يديه تبكيتاً له، ثم ربط في فوهة المنجنيق وأطلقت قذائفه فتطايرت أشلاؤه رحمه الله، هل مات سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب؟ لا، ما مات، فلا زال تيسير العزيز الحميد من أشهر شروحات كتاب التوحيد التي يتداولها طلبة العلم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً في هذه البلاد وفي غيرها، إذاً حينما يكون للحياة معنى سنظل أحياء ولو متنا، سنظل أحياء وإن كنا في القبور، سنظل أحياء وإن كنا في اللحود.