للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوة رابطة العقيدة]

الحمد لله؛ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله لكم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

معاشر المؤمنين: اسمحوا لي اليوم أن أنقلكم من لين الفرش، إلى تربةٍ وتضاريس صعبة، اسمحوا لي أن أنقلكم من هذه المخازن المليئة بالأطعمة إلى القفار وكهوف الجبال التي لا تجد فيها من الزاد إلا قليلاً، ومن الشراب إلا مكدّراً، اسمحوا لي اليوم أن أنقلكم من هذا الوضع الآمن نقلةً تخيليةً تصوريةً لواقعٍ قائمٍ الآن، إلى إقليمٍ خائف، إلى إقليمٍ جزع، واسمحوا لنا أن ننقلكم في وقتٍ قل فيها المخبر، وندر فيه المعلِم عن أحوال المسلمين.

أيها الأحبة: حديثنا اليوم عن مأساة إخواننا في طاجكستان، ولماذا الحديث عن طاجكستان؟! فهل تجمعنا بهم علاقة دم، أم لغة، أم رقعةٌ جغرافية؟! كلا وألف كلا، ولكن تربطنا بهم علاقةٌ هي أعلى وأقوى وأرسى وأثبتَ من الدماء والتضاريس واللغات، هي علاقة العقيدة، هي رابطة لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله:

وحيثما ذُكر اسم الله في بلدٍ عددت أرجاءه من لب أوطاني

نعم تنتهي الدماء، وتفنى التضاريس، وتذوب العلاقات الدموية والعرقية؛ لتنصهر في بوتقة لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، وهل نفعت علاقات اللغة بين المسلمين يوم أن تسلط البعث على جيرانه؟! وهل نفعت علاقات الدم بين الأمم يوم أن تسلط العفالقة على المسلمين في الكويت؟! وهل نفعت علاقات التضاريس يوم أن تسلط البغاة الطغاة على إخوانهم، أو على جيرانهم؟! إن كل علاقةٍ زائلة وذاهبة ومضمحلة؛ لتعلن أن كل علاقةٍ لا تبنى على لا إله إلا الله محمداً رسول الله فهي وهمية زائلةٌ منقضية، وكل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.

ما كان من علاقة مرتبطة بالله فهي باقية، وما كانت بغير ذلك فهي زائلةٌ فانية.

إن علاقة العقيدة هي التي جعلت سلمان الفارسي من آل البيت، فقال صلى الله عليه وسلم: (سلمانُ منا آل البيت).

إن علاقة العقيدة هي التي جعلت بلالاً الحبشي يتصدر المجلس بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وصناديد قريش الذين هم من سواء قريش وجرثومتها وأرومتها يقصون ويبعدون، بل: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد:١ - ٣].

سيصلاها ولو كان قرشياً، سيصلاها ولو كان من سادات قريش، سيصلاها ولو ربطته بالقرشيين والعرب علاقة الدم، أو اللغة، أو التاريخ، وسيمشي بلال في الجنة ولو كان بعيداً، ولو كان أسود، ولو كان مفلفل الرأس، ولو كان حبشياً؛ قال صلى الله عليه وسلم: (يا بلال: إني سمعت دف نعليك في الجنة فأي عملٍ عملته لتنال ذا؟ فقال يا رسول الله: أما إني ما توضأت وضوءاً إلا صليتُ بعده ركعتين).

هذه رابطة العقيدة، جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدني صهيباً الرومي وسلمان الفارسي، وبلالاً الحبشي ويتوعد أبا لهب وأبا جهل، ويتوعد عقبة، وشيبة وعتبة ويتوعد غيرهم، وقال: (اقتلوه ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة) ينبغي أن نرتفع عن العلاقات الضيقة، وأن نسمو بأنفسنا عن العصبيات والقبليات لتربطنا علاقة العقيدة، ومن هذا المنطلق ننتقل بكم اليوم إلى طاجكستان.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً} [النساء:٧٥].