للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طعام أهل الجنة]

إخواننا! ما هو طعام أهل الجنة؟ طعامنا إذا لم نجده نموت من الجوع، وإذا شبعنا أمرضنا وأتخمنا، ثم نخرجه عذرة وغائطاً وبرازاً في الخلاء والمراحيض، مشقة في كل الأحوال، مشقة في طلبه، مشقة في أكله، مشقة في هضمه، مشقة في إخراجه، ولو بقي الطعام لرضي الواحد أن يجز بطنه وأن يشق جوفه من أجل إخراج لقمٍ أكلها وكان يشتهيها، والشراب الذي نشربه نشربه ثم لو انحصرنا فلم نستطع أن نخرجه لرضينا أن تشق منا الأجواف لإخراجه، طلب الماء مشقة ولو فقدناه لهلكنا، ولو أودعناه أجوافنا مللنا منه حتى نخرجه هذا مثال الدنيا، أيها الأحبة! لكن طعام أهل الجنة، يقول ابن القيم فيه بنظمه الجميل في النونية: الكافية الشافية:

وطعامهم ما تشتهيه نفوسهم ولحوم طيرٍ ناعمٍ وسمانِ

وفواكه شتى بحسبِ مناهم يا شبعة كملت لذي الإيمانِ

لحمٌ وخمرٌ والنسا وفواكهٌ والطيب مع روحٍ ومع ريحان

وصحافهم ذهبٌ تطوف عليهم بأكف خدامٍ من الولدانِ

وانظر إلى جعل اللذاذة للعيون وشهوة للنفس في القرآن

للعين منها لذة تدعو إلى شهواتها بالنفس والأمران

سبب التناول وهو يوجب لذة أخرى سوى ما نالت العينانِ

أيها الأحبة! قد يقول قائل: أليس أهل الجنة لا يجوعون فلماذا يأكلون؟! وقد يقول قائل: أليس أهل الجنة لا يظمئون فلماذا يشربون؟! قد أورد القرطبي هذا وأورده كثيرٌ من السلف رضوان الله عليهم فقالوا: إن طعام وأكل أهل الجنة ليس عن جوع، وإن شرابهم ليس عن ظمأ، ولكنها لذات الأكل ولذات الشراب، فإذا شبعوا وأكلوا كان الأكل لذة، وكان تصريف هذا الطعام والشراب لذة قال ابن القيم في هذا:

هذا وتصريف المآكل منهم عرقٌ يفيض لهم من الأبدانِ

كروائح المسك الذي ما فيه خلطٌ غيره من سائر الألوانِ

فتعود هاتيك البطون ظوامراً تبغي الطعام على مدى الأزمانِ

لا غائطٌ فيها ولا بولٌ ولا مخطٌ ولا بصقٌ من الإنسانِ

ولهم جشاءٌ ريحه مسكٌ يكون به تمام الهضم بالإحسانِ

هذا وهذا صح عنه فواحدٌ في مسلم ولـ أحمد الأثرانِ

الله أكبر! أي هذا الخير! أي هذا النعيم! أي تلك النعم وتلك البركات وتلك الرحمات!!