للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مكانة الشباب في المجتمعات]

وأما المحاضرة وهي بعنوان: "الشباب بين الواقع والأمل" فأمر وقضية تحتاج إلى بسط قد يضيق المقام بالإحاطة بجوانبها، ولكن كفى من القلادة ما أحاط بالعنق، فشبابنا وما أدراك ما شبابنا هم أمل غدنا، وشبابهم هو ربيع عمرهم، وهو أوان الجد والتحصيل والبناء والعلم، وشباب اليوم هم قادة اليوم وقادة المستقبل، بل وهم المسئولون عن الأمة في شتى مجالاتها وميادينها، هم رواد الفكر بل صناع القرار، شباب اليوم هم القادة في ميادين القتال، واسألوا أنفسكم: من الذي أذاق الروس أصناف البلاء والعذاب والويلات، حتى فقدوا الآلاف من جنودهم، ودمرت لهم الآليات، وفقدوا من الأرواح، وامتلأت مستشفياتهم بالمعوقين؟ من الذي فعل ذلك بهم؟ إلا شباب صدقوا ما عاهدوا الله عليه! من الذي وقف للروس في درجات الحرارة المنخفضة إلى حد التجمد؟ هل هم العجائز والأطفال والشيوخ والسفهاء؟ لا بل الشباب، من الذي جعل الغرب يحسب للشباب ألف حساب فيطاردهم في مشارق الأرض ومغاربها لو لم يكن الشباب طاقة خطيرة قوية لا بد أن يعتنى بها وأن يلتفت لشأنها، وإلا لم يبال الغرب ولم يسخر من الطاقات بل والجواسيس والطواغيت والأجهزة ما تجعلهم يلاحقونهم في شتى أنحاء الأرض إلا من رحم الله وعصم وقليل هم أولئك.

شباب اليوم هم أخطر العناصر في المجتمعات، بل إن الجماعات المشهورة بالدمار والتخريب والاغتيال والسطو تقوم على الشباب، كما أن الجهاد والدعوة والإصلاح والبذل والتوجيه والعطاء يقوم على الشباب؛ فالشباب طاقة وقوة تقبل التوظيف والتوجيه، فمن سبق إلى مناخ قلوبها ومراتع أفئدتها، ثم وجهها إلى خيرٍ أثمرت وأنتجت خيرا، ومن سبق إلى مناخ قلوبها ومرابع أفئدتها ثم عمرها باللهو والغفلات أنتجت من الشرور والمصائب ما لا يحصيه إلا الله عز وجل، ولذا لا نعجب حينما نرى أمر الشباب يتردد ذكره ويتعدد في مواضع شتى في كتاب الله عز وجل بياناً وتنبيهاً إلى خطرهم وشأنهم ألم يقل الله عز وجل: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف:١٣]، وما الحاجة إلى النص والتنبيه والبيان إلى شأنهم وأنهم فتية إلا لأن الفتوة لها شأنها ولها منزلتها، بل وفي الحديث: (يعجب ربنا للشاب ليس له صبوة) بل إن الله عز وجل يذكر شاباً قد آتاه الله الحكم صبيا ويأمره أن يأخذ الكتاب بقوة {يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} [مريم:١٢]، بل إن أهل الضلالة وقادة الشرك في زمن إبراهيم عليه السلام لما أخذوا يختصمون في شأن من دمر وحطم أصنامهم ومعبوداتهم وآلهتهم، {قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء:٦٠]، ولو لم يكن للشباب تلك المنزلة الشامخة العلية لما خص أولئك بهذا الأمر، والنبي صلى الله عليه وسلم يعرف قيمة الشباب وقدرهم، ومن خالط الشباب ومن عاشرهم وقضى زمناً في تربيتهم وتوجيههم وشرح صدره وفتح أبواب قلبه لاستماع مشكلاتهم ودنا منهم وألان لهم الجانب، وخفض لهم الجناح، علم أن في الكثير من الشباب طاقة لو أردت أن تسلطها على أمة لتسلطت، وعلم أن في الشباب قدرة لو وجهتها في كثير من مجالات الخير لنفعت وأعطت وأثمرت.