للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدنيا دار البلاء والمصائب]

الحمد لله الواحد الصمد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن أقدامكم على وهج النار لا تقوى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها؛ وكل محدثه بدعة؛ وكل بدعة ضلالة؛ وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ؛ شذ في النار.

عباد الله: هاأنتم ترون حال الناس في الدنيا، وتقلبهم بين أنواع المصائب والبلاء والمحن فيها، ولله في ذلك حكمة بالغة، إذ لو صفت هذه الدنيا لأحد، لصفت لنبينا صلى الله عليه وسلم خير من وطأت قدمه الثرى، لو صفت هذه الدنيا لأحد لصفت للأنبياء، صفوة الله من خلقه أجمعين، إذاً: فلا غرابة أن يصاب الإنسان فيها، ولا غرابة أن يعترضه وأن يعتمره شيء من آلامها، والبلاء والمحن فيها، ولله في ذلك حكمة بالغة، نبيكم صلى الله عليه وسلم قد عذب وأوذي وطرد من بلاده حتى تركها، وألقي سلى الجزور على ظهره ومع ذلك صبر واحتسب، هذه من أقدار الله جل وعلا، من أقداره والأقدار الكونية كثيرة يقدرها الله على العباد أجمعين، فإذا تأملتم وقلبتم النظر، لم تجدوا أحداً يسعد في هذه الدنيا، سليماً معافى من الأكدار والمصائب والآلام، إلا من رضي بقضاء الله وقدره، وصبر واحتسب فعند ذلك تكون المصيبة منحة له وإن كانت في ظاهرها محنة، يقول القائل:

من ذا الذي قد نال راحة فكره في يسره من غمره أو يسره

يلقى الغني لحفظه ما قد حوى أضعاف ما يلقى الفقير لفقره

فيظل هذا ساخطاً في قله ويظل هذا تاعباً في كثره

عم البلاء ولكل شمل فرقة يرمى بها في يومه أو شهره

أو ما ترى الملك العزيز بجنده رهن الهموم على جلالة قدره

فيسره خبر وفي أعقابه هم يضيق به جوانب قصره

وأخو التجارة حائر متفكرٌ مما يلاقي من خسارة سعره

وأبو العيال أبو الهموم وحسرة الرجل العقيم كمينة في صدره

ولرب طالب راحة في نومه جاءته أحلام فهام بأمره

والطفل من بطن أمه يخرج إلى غصص الفطام تروعه في صغره

ولقد حسدت الطير في أوكارها فوجدت منها ما يصاد بوكره

والوحش يأتيه الردى في بره والحوت يأتي حتفه في بحره

ولربما تأت السباع لميت فاستخرجته من قرارة قبره

تالله لو عاش الفتى في أهله ألفاً من الأعوام مالك أمره

متلذذاً معهم بكل لذيذة متنعماً بالعيش مدة عمره

لا يعتريه النقص في أحواله كلا ولا تجري الهموم بفكره

ما كان ذلك كله مما يفي بنزول أول ليلة في قبره

كيف التخلص يا أخي مما ترى صبراً على حلو القضاء ومره

فالحياة وحدها شقاء وبلاء، ولا سعادة فيها إلا بطاعة الله، وملازمة أمره واجتناب نهيه، وملازمة ذكره سبحانه، فتلك بإذن الله سعادة في الدنيا وموصلة إلى دار السعادة الأبدية، فاستعدوا استعدوا للرحيل وتزودوا قبل أن تردوا مفازة لا موارد للزاد فيها، وكن -أيها المسلم- كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، ألا وإن الضعيف المحروم الذي سكن إلى الدنيا واطمأن إليها، وغفل عن دار البقاء والخلود، واشترى الدنيا بالآخرة، وباع الغالي بالخسيس، عياذاً بالله من تجارة كاسدة.

اللهم إنا نعوذ بك من حلول نقمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً وبعلمائنا فتنة وبولاة أمرنا مكيدة، وبشبابنا ضلالة، وبنسائنا تبرجاً وسفوراً، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم افضحه على رءوس الخلائق، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم اختم بالشهادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل اللهم إلى جنتك مصيرنا ومآلنا، ولا تجعل إلى النار مثوانا ومنقلبنا، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها، اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وأعطنا ولا تحرمنا، وكن لنا ولا تكن علينا، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم آمنا في دورنا، واصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم اجمع شمله ووحد صفه، وثبت قدمه وارزقه بطانة صالحة، وقرب إليه من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته.

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].

اللهم صلَّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ولإخواننا ولوالدينا وموتى المسلمين أجمعين، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠].

فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.