للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعطيل العقول سبب الضلالات]

إذاً: من واجبنا أن نستخدم عقولنا لو أن رجلاً قال لي أو قال لك أو قال لأي واحد: أرجوك أن تغمض عينيك وأن ترمي بعقلك في الزبالة أو في صندوق، واتبعني في كل ما أنا فيه ولا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً؛ لقلت: لا وألف لا، إن الله ما خلق هذا العقل عبثاً.

لو أن رجلاً أراد يلقمك تلقيماً ويلقنك أموراً، وقال لك: احفظها ولا تناقش ولا تحاور ولا تجادل، ولا تبحث ولا تسأل ولا تناظر، إنما خذها وسلم بها؛ لقلت: وما قيمة العقل، وما الحاجة إليه إذاً؟! أيعقل أن العقل قد خلق عبثاً، إنما خلق العقل لكي يهتدى به إلى الحق، مستنيراً بنور الوحي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِه} [الحجرات:١].

بل إن الله عز وجل بين أن طوائف الكفار الذين يصلون جهنم وساءت مصيراً يعترفون بأن تعطيل عقولهم كان سبباً في دخولهم النار، قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:١٠ - ١١] فالأولى قالوا: لو كنا نسمع أو نعقل، لو أنا حكمنا عقولنا لما دخلنا النار، ثم قال: فاعترفوا بذنبهم، أي: فأقروا أن تعطيل العقول ذنب، وأقروا أن تعطيل العقول أمر منكر، فكانت العاقبة أنهم من أهل النار ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أيها الأحبة: اسمعوا قول الجبار عز وجل الذي خلقنا وإياكم، وخلق جميع البشر، وهو أدرى بما يصلح أحوالنا، وأدرى بما ينفعنا وأدرى بما يضرنا، قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤] اسمعوا قول الجبار عز وجل: {فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} [هود:١٠٩] يعني: لا يصبك الشك فيما ترى من فعل هؤلاء، فإنهم يعبدون ما كان يعبد آباؤهم من قبل.

قال ابن كثير: فلا تكن في مرية مما يعبد المشركون، إنه باطل وجهل وضلال، إنهم يعبدون ما يعبد آباؤهم من قبل، وليس لهم من مستند إلا اتباع الآباء في تلك الجهالات.

وقال عز وجل أيضاً: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [إبراهيم:٩ - ١٠] أيضاً القضية في الآباء، أنتم تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} [إبراهيم:٩] الرسل يدعونهم وينصحونهم ويأتي هؤلاء يردون أيديهم في أفواه الرسل حتى لا يسمعوا منهم حقاً، ولأجل ذلك تجد بعض المساكين إذا قيل له ما قيل، قال: لا.

انتبه لنفسك، إن عندهم كلاماً كالسحر، ضع في أذنيك قطناً أو سدادة حتى لا تسمع هذا الكلام.