للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تواضعه صلى الله عليه وسلم في أخذه بزمام راحلة معاذ]

ومن تواضعه ما تفرد به الإمام أحمد في روايته عن معاذ بن جبل قال: لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيه، ومعاذ راكب على الدابة ورسول الله يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ! إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا، أو لعلك أن تمر بمسجدي هذا أو قبري، فبكى معاذ لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال: إن أولى الناس بي المتقون أين كانوا وحيث كانوا).

ما أجمل تواضع النبي صلى الله عليه وسلم! إمام الأمة، الغبار يعفر قدميه وهو يودع قائداً من قواده، وهو راكب والنبي يمشي، النبي يمسك بزمام الراحلة ويحدث معاذاً يقول له: لعلك لا تلقاني، لعلك أن تمر بمسجدي، يقرب له مصيبة لا بد من حلولها، وقدراً لا بد من بلوغه، وأجلاً لا بد من حلوله وهو موته صلى الله عليه وسلم فيقول: (أو تمر بمسجدي، أو تمر بقبري) فيجهش معاذ بالبكاء، ثم بعد ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (إن أولى الناس بي) بنو هاشم؟ لا.

القرشيون؟ لا.

القبليون؟ الأحباش؟ العجم؟ الأثرياء؟ السادة؟ الملوك؟ الوزراء؟ الأمراء؟ لا (أولى الناس بي المتقون أين كانوا وحيث كانوا) فمن كان تقياً فهو من أولى الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولن ينفع أبا لهب أنه قرشي من جرثومة وأرومة قريش، وما ضر بلالاً أنه عبد حبشي رضي الله عنه فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم دف نعليه في الجنة.