للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما يجب توفيره لدعم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

أيها الإخوة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الزمان تعرفون ما ينبغي أن يكون له من الدور والمكانة، خاصة في وقت كثرت فيه المنكرات في البيوت وفي الأسواق، وفي مختلف مجمعات البشر، ومن هنا يلزم الأمة على المستوى الإداري أن تجند الوظائف الطيبة المناسبة لرجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يلزم الأمة أن تبوئ الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أطيب الوظائف، وأن تكفل لهم ما يكفيهم، لا أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ضعيفاً، أو مسكيناً، أو فقيراً، أو قليل ذات اليد.

كذلك يلزم الأمة إعداد فريق من المتطوعين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى ما يقال: حدي العمود، أو حدي السكة، لا.

حتى يكون حب الأمر بالمعروف والغيرة على دين الله، وحب إنكار المنكر في كل مسلم.

الآن يا إخوان: نعمة في جانب، ولكنها مصيبة في جانب: كثرة الأسواق، انتشار السلع، تيسر حاجات الناس في كل مكان، ولعله جانب من جوانب النعم، نسأل الله ألا تكون استدراجاً، وإن كانت كثرة الأسواق من علامات قرب نهاية الزمان، ولكن ما يحصل ويدور في هذه الأسواق من المعاصي والمنكرات؛ خاصةً التبرج والمعاكسات يحتاج من كل واحد منكم أن يشارك ولو مرة واحدة في الأسبوع أو الشهر، لكي يشارك بجولة ميدانية عملية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا علمنا أن شيخنا شيخ الجميع الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين قد خرج جزاه الله خيراً لكي يضرب القدوة للعلماء وطلبة العلم محتسباً وهو عضو الإفتاء في الرئاسة العلمية، في رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، خرج ذلك الشيخ الكبير، وليس ذلك من سعةٍ في وقته، مشاغله كثيرة، الناس يحتاجونه، يتشفعون إليه في بعض الحوائج حتى يشفع لهم؛ فتاوى، أسئلة، ومع ذلك يخرج مع بعض طلبة العلم ليدور في الأسواق، وما رأى من متبرجة إلا ويتجه إليها: يا بنية! استري نفسك ستر الله عليك، ويدعوها بالحكمة والموعظة.

شيخ جليل يخرج بنفسه، ليقول لنا: أنتم يا طلبة العلم! أنتم يا جيل الصحوة! أنتم يا معاشر الشباب! مسئولون أن تدخلوا الأسواق ولو لغير حاجة، خمسة أو ستة أو سبعة من الشباب يلبسون شيئاً يلقي عليهم هيبة، أو هيبتهم في قوة إيمانهم، المهم أن يرى أهل السوق أن أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الساحة، وحينما يريد شاب أن يدخل للمعاكسة ويرمي أرقاماً وكلاماً فارغاً، يعرف أنه إن وقع فلا تسأل عن أمره، حينما يقوم بهذا العمل جملة من الشباب أسواق ريمان، أسواق الدولية، أسواق العويس، أسواق طيبة، أسواق الديرة، جميع الأسواق، ماذا يضر سبعة أو ثمانية من الشباب إن فعلوا ذلك؟ هؤلاء يدخلون العصر، وهؤلاء يدخلون المغرب، وهؤلاء يدخلون العشاء، ليس معهم رشاشات: استسلم، لا.

يدخلون أولاً: والله يقذف الهيبة في قلوب الناس منهم.

ثانياً: ما رآهم صاحب منكر إلا وخرج؛ لأن صاحب المنكر يسوقه الشيطان، والشيطان إذا رأى الحق ولى مدبراً ولم يعقب.

المسألة الثالثة: تكون فيه النصيحة، ربما امرأة جاهلة مسكينة، ربما شاب جاهل مسكين، تجد رجلاً يمشي هو وزوجته في منتهى البساطة، ويسير بزوجة متبرجة، ما الذي يمنع الشباب أن تقولوا: السلام عليكم يا فلان! لو سمحت كلمتين جزاك الله خيراً، هذه الزوجة، أو البنت، أو الأخت نسأل الله أن يستر عليك وعليها، حجبها يا أخي! استرها حتى لا تكون سبباً في نوالي ونوالك إثماً ووزراً بفعل أحد الناس الفاحشة، أو حتى لا تكون سبباً ومدرجاً إلى المنكر، أو حتى لا تكون أنت مقراً لمنكر من المنكرات، أفي هذا شيء أيها الإخوة؟ أفي هذا خطورة؟ المصيبة الآن أن الناس أصبحوا حينما يرون رجلاً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لا أقول الناس كلهم؛ لكن جزء منهم يتجهمون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، يا أخي! ما دخلك؟ هل أنت من الهيئة؟ أعندك تصريح؟ نعم عندي تصريح.

ممن؟ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:١١٠] {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:١٠٤] التصريح من عند الله عز وجل، أحتى أقول لصاحب المنكر: هذا لا يجوز أحتاج لتصريح مختوم؟! لا يمكن هذا الكلام، نعم، إذا وردت صفة معينة ينظم بها النشاط، أو جهود المتعاونين مع الهيئات والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فأهلاً وسهلاً بالصدر والأحضان، نكون أول من يتعاون مع هذه الجهات المنظمة لجهود المتعاونين مع الهيئات الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، لكن هل عدم وجود هذا الشيء يمنعني، أو يمنع أن أنهى عن المنكر، وأن آمر بالمعروف؟ والله، ما أظن أن هذا موجود في زماننا، ولا يقول بهذا أحد، ولله الحمد والمنة.

إذاً: الناس قذف الشيطان في قلوبهم وهماً ووسواساً وخوفاً، فظنوا أن هذا من الأمور الممنوعة، وليس من الأمور الممنوعة أبداً، هل يوماً من الأيام واحد منكم أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وقيل له: تعال، لماذا تأمر؟؟ بفضل الله ما حصل هذا، ونحن في دولة يختلف شأنها عن سائر الدول، نحن في بلد تتعلق آمال المسلمين فيها بعد الله جل وعلا، شأننا يختلف عن شأن أي دولة، وأي بلد آخر.

إذاً: فالمصيبة وسواسٌ قذفه الشيطان في قلوب الكثيرين منا، فظننا أن الأمر بالمعروف لا يمكن إلا لمن عنده جيب، أو تصريح، وبالمناسبة -أيها الإخوة! - وعلى أية حال: سأتطرق إلى هذا في لقاء قادم إن شاء الله في الملز بعنوان "مجالات جديدة للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى" الشباب الطيب الآن كثر، أصبحوا عشرات الآلاف، لكن الكثير منهم ليس له عمل في الدعوة، وليس له عمل إسلامي، وليس له عمل ينفع الأمة، سنذكر من هذه المجالات: أن يتعاون عدد من الشباب، فيتكفلون، ويقولون: نحن فريق مسئول عن الحسبة في الأسواق، نتعاون مع الهيئات، الأسواق التي لا تستطيع الهيئة أن تصلها، أو كانت الهيئات أقل من أن تحيط بها، فنحن مجموعة نمر بكل حكمة، معنا كتيبات مسموح بتوزيعها من قبل الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والإرشاد، مصرحة من وزارة الإعلام، امرأة متبرجة: تفضلي يا أختي! هذه رسالة: (من أمرك بالحجاب) (وجوب الحجاب) شريط من الأشرطة المسموحة، المهم نستطيع أن نصلح المجتمع، فعندنا مئات المجالات لإصلاح المجتمع، ودفع أسباب الهلاك، لكن المشكلة: من ينظم جهودنا؟ من يرتب هذه الطاقات؟ من يوظف هذه الطاقات؟ هذه المشكلة التي يواجهها الكثير من شباب الصحوة، لذلك سوف أتطرق بإذن الله جل وعلا للقاء قادم بهذا العنوان "مجالات جديدة للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى" وإن شاء الله أخبركم بمكانها.

كذلك أيها الأحبة: عندما نقول إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب نجاة الأمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين هذا ومثَّله بمثال واضح، قال صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فكان لبعضهم أعلاها، ولبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفل السفينة إذا أرادوا الماء، مروا بالذين من فوقهم) الذين في الدور السفلي لابد أن يمروا على الذي في الدور العلوي من أجل أن يطلِّوا على البحر ويأخذوا الماء، قال الذين في أسفلها: هذا عمل طويل (فلو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن أخذوا على أيديهم، نجوا ونجوا جميعاً، وإن هم تركوهم هلكوا وهلكوا جميعاً) فنحن الآن في سفينة المجتمع فريقان: فريق من العصاة المستهترين الواقعين في المعاصي المجاهرين بها، الذين لا يخافون من الله، ولا يستحون من الخلق، وفريق من الدعاة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، الغيورين على نعم الله، الغيورين على أمن بلادهم، الغيورين على نعم هم فيها مع علمائهم وولاة أمرهم.

الفريق العاصي لو ترك لخرق سفينة المجتمع من أجل تحصيل الماء بسهولة كما ظن وتصور، فهلك الصالحون والطالحون، وهل المسألة على مزاجك؟ تؤمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، بل يقال: هذا لا يجوز، هذا لا ينبغي، هذا حرام، لكن إذا ما استجابوا أخذوا، وفيه الإشارة بالقوة، والإشارة بالتعزير وبالعقوبة، إذا انقاد وانصاع لأمر الله، واستجاب للمعروف وانتهى عن المنكر، وإلا أخذ على يده، والدليل صريح من قوله صلى الله عليه وسلم: (ولتأطرنه على الحق أطراً)، وفي بعضها: (ولتقسرنه قسراً) أي أن المسألة ليست بالشورى، نأمرك بالمعروف وننهاك عن المنكر، ثم لك أن تطبق أو لا تطبق، لا.

ليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلعة إن أعجبتك أو فارجعها، لا.

بل وجوباً أن تلتزم، نعم من حقك علينا أن نأمرك باللين، بالحكمة، بالهدوء، بالموعظة، بالهدية، باللطف، نعطيك فرصة فرصتين، لكن أن يستمر هذا ديدنك وطبعك فلا، الجزء الفاسد في البدن (جزء صار فيه سرطان) يقطع، ويبتر وينتهي، فلابد أن يكتم نفس الفاجر، وأن يفرك، ويمرغ أنفه في التراب، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ليس عندنا فيه أدنى شك، ما أخذناه من قول فلان ولا علان، بل من كتاب الله جل وعلا الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:٤٢].

ولنعلم أننا إن تساهلنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإننا -أيها الأحبة! - نسلم أنفسنا، ونجر هذه الرقاب لكي يقع فيها البلاء والهلاك، والفتنة والعقوبة، يقول الله جل وعلا: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:٢٥] يا ليت الفتن تصيب الظالمين وحدهم، ولكنها تعم الصالح والطالح.

إن المعاصي والمنكرات إذا ظهرت فهي فتنة ليس شؤمها وإهلاكها يخص العاصي وحده، وإنما يتناول العاصي والصالح معه: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:٢٥].