للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية معالجة منكرات البيوت]

روى الإمام ابن أبي شيبة عن عمر بن سعيد بن حسين قال: [أخبرتني أمي عن أبي قال: دخلت على أم سلمة رضي الله عنها وأنا غلام وعليَّ خاتمٌ من ذهب، فقالت: يا جارية، ناولينيه، فناوَلَتْها إياه، فقالت: اذهبي به إلى أهله، واصنعي خاتماً من وَرِق -يعني: لا تلبسوه خاتماً من ذهب، مع أنه صغير، ما قالوا: صغير، لا بأس، بل يربونه حتى من الصغر على ما يجوز وما لا يجوز- فقلت: لا حاجة لأهلي فيه، قالت: فتصدقي به، واصنعي خاتماً من وَرِق].

لا بد من أن نتلطف ونحن نأمر وننهى ونربي هؤلاء الصغار؛ لأنهم يقبلون بالرفق وباللين بإذن الله عز وجل، لكن إذا تحول الأمر والنهي والإرشاد والتوجيه إلى تهديد، اسمع! إن رأيتك مرة ثانية تعمل هذا الشيء سأكسر أضلاعك، وأقطِّع جلدك، وأفعل بك كذا، وأجعلك لا تمشي، أساليب التهديد والوعيد للصغار أتدرون ما نتيجتها؟ إن التهديد ما عادت له قيمة، ما عاد له أي أثر.

وبعض الآباء يرتكب حماقة لا يعلم بها، وهي: أن الولد يتصور أن أباه جبل عظيم ويرى الولد نفسه قطعة من حجرٍ صغيرة بالنسبة لهذا الجبل، ثم لا يلبث أن يرى الأب على هذا الولد خطئاً معيناً فيتحول هذا الجبل إلى صخرة أمام صخرة، وينزل وإياه في منازلة ومعركة يجعل نفسه نداً لهذا الولد، ويدخلان في حلبة ومصارعة مَن الذي ينتصر، سأفعل بك، سأجلدك، أو ربما بدأ بالضرب المبرِّح الذي لا ينفع، وذلك من الخطأ الفاحش، ما أجمل تأديب الصغار بالأمر والنهي، والترغيب والترهيب، والحرمان أيضاً! يعني من الأساليب التي تستطيع أن تأمر بها وتنهى، ما يلي: أنه إذا لاحظت على هذا الولد الصغير خطئاً، وجاء يسلم عليك، قل له: لا أسلم عليك، أنا بيني وبينك مشكلة، أنت الله يصلحك فعلت كذا، كل إخوانك صلوا إلا أنت ما صليت، كيف تريدني أن أكلمك، وبكرة لا يوجد مصروف المدرسة -على الأقل تخوفه بذلك- لا تتحدث معي.

الحرمان نوع من أشد أنواع التربية، وأقسى أنواع العقوبة التي هي مؤثرة، وليس فيها جرح أو خدش أو إفساد لأسس التربية وأصولها.

وهنا مسألة مهمة وهي: معالجة الأولاد بالحب، معالجة الأولاد باللطف، اقنع وتأكد أن الولد يعلم تمام العلم أنك أيها الآمر الناهي تحبه، ويعلم تمام العلم أنك أيها الآمر الناهي غيورٌ عليه، ويعلم تمام العلم أنك أيها الآمر الناهي مشفقٌ خائفٌ عليه؛ حينئذٍ يستجيب لك بإذن الله عز وجل.