للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلم يحدد مستقبلك]

منذُ أيام في إحدى المستشفيات رئيس أحد الأقسام في المستشفى رجل من الهند؛ هندي وراتبه يتجاوز أربعين ألف ريال، ومن نفس مدينته وبلده أو قريته عامل لا يتجاوز راتبه ثلاثمائة ريال أو أربعمائة ريال، هذا من الهند وهذا من الهند، وهذا يتكلم نفس اللغة وهذا يتكلم نفس اللغة، وهذا راتبه أربعون ألفاً، وهذا راتبه ثلاثمائة ريال!! يأكل بمائة وعشرين ويرسل إلى أهله مائة وثمانين ريالاً، ما الفرق بين هذا وهذا؟!!.

الفرق هو العلم! هذا أقبل على العلم منذُ صغره، ووجد أبوين يعينانه على العلم منذُ صغره، وتحملوا شظف العيش في سبيل تعليم ولدهم في طفولته ونشأته حتى نشأ وشبّ وترعرع متعلماً، فأصبح عالماً فأصبح أستاذاً ورئيساً، وهذا نشأ لم يلتفت إلى العلم، ولم يتلفت أبواه إلى تعليمه، فلم يكن عنده من قدرةٍ ولا خبرةٍ ولا صنعةٍ ولا مهنةٍ ولا وظيفةٍ ولا إمكانيةٍ ولا موهبةٍ أبداً.

فأصبح هذا في الحضيض وذاك في مستوى الوظائف في أعلى الدرجات، نعم.

إن أكرم الناس عند الله أتقاهم، لكن الآن لو خيرتك أن تسكن خيمة أو بيت بلك، تقول: لا.

بيت بلك أفضل، ولو خيرت أن تسكن بيت بلك أو فلة من دورين جميلة مشطبة ممتازة مؤثثة مفروشة، قلت: والله أطمع أن أسكن فلة، ولو خيرت بين فلة وبين قصر جميل وواسع وحدائق وأنهار، قلت: أريد قصراً.

فبطبيعة الإنسان في مصلحة نفسه وملذاته وشهواته وأمنياته يعرف ما هو الوضيع وما هو المنحط، ويعرف ما هو العالي وما هو الرفيع، فكذلك في حياتك وتعليمك، وسلوكك، ومستقبلك، في دراستك أنت تستطيع أن تكون وضيعاً وتستطيع أن تكون رفيعاً، تستطيع أن تكون حقيراً ذليلاً وتستطيع أن تكون إماماً خطيراً، تستطيع أن تكون شخصاً مهماً، وتستطيع أن تكون شخصاً تافهاً.

الأمر بيديك والإرادة بين يديك، والقدرة -بإذن الله- بين يديك، لكن تحتاج منك: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:٥ - ٧].

من جاهد وصبر أعطى من نفسه، أعطى من وقته من ماله من فكره من جهده من صبره، وعمل، فإنه -بإذن الله- ينال الحسنى؛ حسن الدنيا وحسن الآخرة، أما من بخل واستغنى وقال: لا حاجة للعلم، لا حاجة إلى العمل يصبح فقيراً يمد يده إلى الناس، إن أعطوه أو منعوه ولا حول ولاقوة إلا بالله!