للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مقدمة في فضل حلق الذكر]

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، واسمه الأعظم الذي سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب أن يجمعنا في جنته كما جمعنا في هذا المكان، وأسأله سبحانه أن يجعل اجتماعنا وكلامنا واستماعنا هذا خالصاً لوجهه الكريم، فإن العمل إذا فقد الإخلاص كان هباءً منثوراً، وكان حجة وعذاباً وبلاءً على صاحبه، يقول الحسن البصري: [الناس هلكى إلا العالمون، والعالمون هلكى إلا العاملون، والعاملون هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم].

ووالله -أيها الأحبة في الله- إن الإخلاص ما فقد من عمل إلا وكانت أموره ومشوبة بنقص وخلل، ومهما كثر ذلك العمل، وإن وافق الإخلاص عملاً من الأعمال كان بركة وطهارة وفضلاً وخيراً عليه، فأعود وأسأله أن يرزقني وإياكم الإخلاص الذي من أجله أمرنا الله أن نعبده: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:٥].

أحبتي في الله: لا يفوتني أن أذكركم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي معناه: (إن لله ملائكة سيارين في الأرض يبتغون حلق الذكر، فإذا وجدوا شيئاً منها نادى بعضهم بعضاً أن هلموا، فيجتمعون فيسألهم ربهم: علام اجتمع عبادي هؤلاء؟ فتقول الملائكة: يا رب! اجتمعوا يسألونك ويشكرونك ويذكرونك ويستعيذون.

فيقول الله جل وعلا: وما الذي يسألونني؟ فتقول الملائكة: يسألونك الجنة) الجنة التي من أجلها نسعى هذا السعي ونطلبها ونرجوها، الجنة -أيها الأحبة- التي كما قال أحد السلف: عجبت للجنة كيف نام طالبها؟! وعجبت للنار كيف نام هاربها؟! الجنة التي سأل النبي صلى الله عليه وسلم في شأنها رجلاً من الأعراب، فقال: (يا أعرابي! كيف تصلي؟ فقال الأعرابي: يا رسول الله! إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ -أنا لا أعرف كيف تدعو أنت وكيف يدعو معاذ - ولكني أسأل الله الجنة وأستعيذ به من النار، فقال صلى الله عليه وسلم: أنا ومعاذ حولها ندندن).

تقول الملائكة: (يا ربنا! يسألونك الجنة.

فيقول الله: وهل رأوا جنتي؟ فتقول الملائكة: لا.

فيقول الله جل وعلا: كيف لو رأوها؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد لها طلباً) والجنة شأنها عجيب والناس عنها غافلون في هذا الزمان، وكل خير وكل بر طريقٌ مفضٍ ومؤدٍ إليها ولكن الناس يغفلون عن هذا، فهي كما قال ابن القيم رحمه الله في نونيته:

يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنت غالية على الكسلان

يا سلعة الرحمن كيف تصبر الخطاب عنك وهم ذوو إيمان

يا سلعة الرحمن سوقك كاسد فلقد عرضت بأيسر الأثمان

يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحد لا اثنان

حور تزف إلى ضرير معقد يا محنة الحسناء بالعميان

تتمة الحديث أن الله جل وعلا يقول للملائكة: (وممَ يستعيذ عبادي هؤلاء؟ فتقول الملائكة: يا ربنا! يستعيذون بك من النار.

فيقول الله جل وعلا: وهل رأوا ناري؟ فتقول الملائكة: لا.

فيقول الله جل وعلا: كيف لو رأوها؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد منها هرباً وخوفاً.

فيقول الله جل وعلا: يا ملائكتي! يا ملائكتي! أشهدكم أني غفرت لهم) فأبشركم -أيها الأحبة- أن من جلس في بيتٍ من بيوت الله يسمع كلام الله وذكر الله، ويحمد الله ويسبح الله فليبشر بخير عظيم وفضل عميم، ولعله أن يخرج من هذا المسجد وقد محيت ذنوبه وسيئاته.

(ثم تقول الملائكة: يا ربنا! إن في هذا الجمع فلان بن فلان ليس منهم وإنما جاء لحاجة -أرسل لأمر ما- فيقول الله جل وعلا: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم).

فيا أحبتي في الله: أبدأ كلامي مثنياً على الله الخير كله، ونحمده على نعمه التي لا تحصى، وعلى آلائه التي لا تنسى، ونعم الله علينا تترى متتابعة، ومعاصينا تترى لا تنقطع، الحمد لله على حلمه بعد علمه، وعلى عفوه بعد مقدرته.

أيها الأحبة في الله: موضوعنا -كما تعلمون- قصص وعبر، ما جئنا في هذا المكان لنقول لكم: كان يا ما كان، في قديم الزمان، وما جئنا في هذا المكان لنختلق أو لنجمل أو لنزين، أو لنفذلك أو نزيد أو ننقص في أحداث بلغت أو سمعنا، ولكن أريد أن نعلم قبل ذلك أن القصص أخبار، والخبر الصادق نوع من أنواع المسالك التي تثبت بها العقائد.