مثال آخر من كتاب الله جل وعلا على أولئك المغرورين الذين كانت نهايتهم الهلاك:{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ}[الكهف:٣٥] لاحظوا قول الله جل وعلا: {وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ}[الكهف:٣٥]{قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً}[الكهف:٣٥] كيف تفنى هذه الجنان، هذه الحدائق وهذه النخيل والبساتين {قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً}[الكهف:٣٥ - ٣٦] يقول: وما هي الآخرة التي أنتم تقولون إنها ممكن أن تقوم وتأخذ أموالي وتنهيني عن هذه الحياة {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً}[الكهف:٣٦] وإن قامت {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً}[الكهف:٣٦].
أنا فلان بن فلان، أنا مرتبتي كذا، أن من مدينة كذا، لو رددت لأجدن خيراً من هذه الجنة التي أنا فيها في الدنيا {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً}[الكهف:٣٦].
جاءه من يحاوره ويقول له: اتق الله! لا يجوز، ما هذا الغرور؟ {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ}[الكهف:٣٧] أنت الآن في قمة الغرور بالقوة التي عندك، أذكرك بأصل ضعفك {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً}[الكهف:٣٧ - ٣٨] إلى أن بينت لنا الآيات من خلال السياق أن الله جل وعلا جعل عاقبة هذا الغرور أن هلكت بساتينهم جميعاً كما قال الله جل وعلا: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً}[الكهف:٤٢] أُحيط بهذه الجنة والبستان وانتهى الأمر وما عاد له من شيء يعتمد عليه بعد أن كان يغتر ويتقلب في نعيم تلك الجنان.