للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل عملنا لأخرانا كدنيانا؟]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلاله، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك.

أحبتي في الله! تعلمون أن الجنة تريد منا عملاً، فما هو العمل الذي قدمناه لها؟! إن واقعنا يشهد بالغفلات والتقصير والتفريط، ولكن الذي يطمع في الجنة، يحرص أن يبذل في هذه الدنيا عملاً خالصاً مباركاً يرجو به رحمة الله وجنته، ويحرص مع هذا أن يبقى العمل مستمراً بعد موته، إن أناساً الآن في قبورهم وفي لحودهم، لكن ملائكة الحسنات لا زالت تكتب حسناتهم! وإن أناساً أمواتاً في لحودهم وفي قبورهم، لكن ملائكة السيئات لا زالت تكتب سيئاتهم! فيا عباد الله! ما دمنا نريد الجنة والعتق من النار، لا بد أن نجتهد في هذه الدنيا، وأن نبقي عملاً ينفعنا ويمضي لنا، ولو بعد موتنا، ولو بعد أن نلقى في لحودنا وقبورنا.

أيها الأحبة في الله! كل موظفٍ في الخدمة المدنية لو قيل له: إن راتبك التقاعدي سيقطع، إن النسبة التي تؤخذ من راتبك من أجل صرف التقاعد لك بعد انتهاء المدة أو تصرف لك عند حدوث ما يعيقك من العمل، أو تصرف لأولادك بعد موتك، لو قيل له هذا الكلام لزمجر وبعث البرقيات يريدُ أن يمضي الراتب ولو بعد إحالته إلى التقاعد ولو بعد أن تصيبه مصيبةٌ قد تعيقه من العمل، أو بعد موته يصرف راتبه تقاعداً لأولاده! نحن أيها الإخوة! ينبغي أنت نكون أشد فطنةً لأمور آخرتنا من أمور دنيانا، نحن نريد حسناتٍ في التقاعد، نريد حسناتٍ وثواباً بعد انتهاء مدة الحياة، نريد مزيداً من الحسنات تكتب لنا ونحنُ في قبورنا، يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو صدقةٍ جارية، أو ولدٍ صالح يدعو له).

فمن منا ورث علماً أو ترك علماً؟! من منا اعتنى بتربية ولدٍ صالحٍ لعل الله أن ينقذه من النار بسبب دعائه؟! يؤتى يوم القيامة بعبدٍ من عباد الله، في منزلةٍ من منازل الجنة، يقول: ربي كيف نلتُ هذا؟! من أين لي هذا؟! يعلمُ أنه ما قدم عملاً كفئاً لهذه الدرجة، فيقال: بفضل دعاء ولدك الصالح لك!! أو صدقةٍ جاريةٍ يا عباد الله! اعلموا أيها الأحبة! أن الذي يموتُ مرابطاً في سبيل الله، يجرى عليه عمله إلى أن تقوم الساعة، إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من هذه الثلاثة، وكذلك المرابط في سبيل الله، من مات في الرباط أجري عليه عمله، وأمن من فتان القبر.