للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم المداهنة والحياء في الأمر بالمعروف]

والله يا إخوان! كم فينا من المداهنة!! كم فينا من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!! ندخل مجلساً وفيه ممن يهاب من القوم، فنسمع الموسيقى، وتجد طالب العلم، أو الشاب الصالح، أو غيره يكسر في يديه، ويكسر أصابعه يريد أن ينكر المنكر، ويهاب هؤلاء أن يقول: إن هذا منكر، لا يجوز، فغيروه، أو أغلقوه، أو اشتغلوا بحديث غيره، بل إن بعضهم من ضعف شخصيته لربما وافق القوم في حديثهم، بل وربما شاركهم فيه، ولربما سكت مطرقاً، أقل الأحوال: {فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} [النساء:١٤٠] أقل الأحوال إذا ما استطعت أن تغير، أو عجزت نفسك عن التغيير فقل: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، واخرج، لماذا؟ لأن الفساق يحتقرون من يوافقهم في الفسق، ويزدرون من يراهم على المعاصي ويسكت عنهم حتى وإن قالوا: ما شاء الله هذا شيخ متطور هذا شيخ عصري هذا شيخ الشباب الممتاز، فهؤلاء يلعبون بالبلوت، وهؤلاء يتفرجون على الفيديو، وهؤلاء قاعدون على كذا، وهؤلاء قاعدون على كذا، والسجائر طفاية ذاهبة وطفاية آيبة، وانظر هذا الشيخ ممتاز يا أخي، والله شيخ ما مثله، آخر موديل من المشايخ، إنهم وإن مدحوه بألسنتهم لكنهم احتقروه بقلوبهم، يقول ابن حزم في معنى كلامه: إن الفساق أول ما يحقرون من وافقهم، أو شاركهم في فسقهم، لكن إذا خالفت القوم فلأنهم خالفوا الله جل وعلا، وقام في قلبك حب وغيرة، وتعظيم لله، كيف هؤلاء يخالفون ربك الذي خلقك وخلقهم، وقلت: اتقوا الله، أو بالأسلوب الذي رأيته مناسباً: هذا لا يجوز، هذا لا ينبغي، اذكروا نعمة الله عليكم، تعصون الله بأعين خلقها، بآذان خلقها، بأيد خلقها، وتقوم وتؤدي ما عليك، ولا يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تتيقن أنهم سينتهون، يعني: أناس مثلاً يلعبون الكرة أثناء الصلاة، وأنت تمر تريد أن تأمرهم، يأتيك الشيطان، يقول: انظر سواء تكلمت أو لم تتكلم، هؤلاء لن يغيروا ما هم فيه، تكلمت أو لم تتكلم، هؤلاء سيكلمون من هذه المباراة، لا يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يغلب على ظنك أنهم يستجيبون لك فيما طلبت: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد:٧] {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:٢٠] {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:٥٦]، بعض الناس يستدل بهذه الآية على ترك الأمر، لا.

أنت عليك الأمر، والهداية بيد الله سبحانه وتعالى، فلننتبه لهذه المسألة، فما مررنا بمنكرٍ وما رأينا قوماً في منكر إلا ووجب علينا أن ننكر عليهم بقدر وبدرجات المنكر الواردة في الحديث، سواء تيقنا أنهم سيستجيبون أم لا، وعلى أية حال: وطنوا أنفسكم، فإنكم ستجدون من يستهزئ، ستجدون من يسخر: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين:٢٩ - ٣٠]، لكن هل يسكت المسلم؟ لا: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود:٣٨] ولكن عادت الدائرة عليهم، وكانت الجولة لنبي الله نوح عليه السلام، فينبغي ألا نتردد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أنا أعرف أن كثيراً من الناس يود أن يأمر بالمعروف، يود أن ينهى عن المنكر، لكن يقول: يا أخي! والله إحراج، والله أستحي، يقولون: ما شأن هذا الفضولي؟ سيضعون عني تصوراً أني أتدخل في شئونهم، وهؤلاء إذا تصوروا عنك تصوراً خاطئاً فلا يدخلونك النار، وإذا تصوروا عنك تصوراً -مثل ما قلت- تصوراً عصرياً، فلن يدخلوك الجنة لماذا؟ لأن أكثر الناس ليسوا على الحق، يقول الله جل وعلا: (يا آدم! قم فأخرج بعث النار، فيقول آدم: يا رب! وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون في النار، وواحد في الجنة).

يا سلعة الرحمة ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنان

أكثر الناس ليسوا بعبرة: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:١٠٣] {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦] {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:١١٦] {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} [الأعراف:١٠٢] فمسألة الكثرة ليست عبرة، والجماعة كما يقول ابن مسعود: [الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك] ينبغي أن نأخذ ديننا بقوة: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة:٦٣] {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:١٢].

إن مصيبة الأمة في هذا الزمن من أناس أخذوا الدين ضعفاً، أخذوا الدين على استحياء، أخذوا الدين وهم إذا قام أحدهم يصلي انسل حتى لا يشعر أنه قام يصلي، أخذوا الدين وهم يدافعون عن الإسلام، لا يحاربون، أو يقاتلون أو يهاجمون به، والدين قوة، أنت تملك سلاحاً أقوى من أولئك جميعاً، ما الذي يمنعك أن تكون قوي الشخصية، لا أن تكون مسلماً منهزماً، الهزيمة النفسية التي حصلت في كثيرٍ من المسلمين، فتجده يسكت ويستحي، ويجامل في كثير من أمور الدين والشريعة، وهو يضيف وهناً على الأمة بهذا السكوت وهذه المداهنة، تصوروا أن الذين عرفوا الإسلام على حقيقته، ولعلنا وإياكم ممن يوفقون إلى هذا بإذن الله جل وعلا: شابٌ أمريكي أسلم بعد أن تأمل وقرأ واطلع، وماذا كان من شأنه؟ غير اسمه فوراً، وما قال: إن الشعب الأمريكي سيحتقرني، لا.

لأنه يعرف أن اسماً فيه فضل، وفيه أجر وثواب، أحوج إليه من اسم لا ثواب ولا أجر ولا فضل فيه، الأمر الثاني: صار يلبس مثل ثيابكم ما قال: إن الأمريكان يقولون لابد من بنطلون، هو لم يحرم البنطلون، لكن رأى أنه يرتاح لهذا الشيء، بعض الناس تجده يفعل أموراً لا يحبها، لكن حتى يوافق القوم فيما يشتهون، أين الحرية؟ أنت حر في نفسك، أَوَ أصابتك الذلة في نفسك إلى درجة أنك وافقت القوم فيما يريدون وأنت تكره، هذه ذلة أصابت كثيراً من المسلمين.

فهذا الشاب الأمريكي كان يبحث عن وظيفة بمؤهلات كانت عنده، فنزل في الجريدة إعلان عن وظيفة في ولاية من الولايات، ما الذي حصل؟ سافر إلى تلك الولاية، وقدم طلب الوظيفة، وكتب في الطلب: ليكن لدى اللجنة التي تحدد من يشغل هذه الوظيفة علماً أنني مسلم واسمي فلان، وإذا وافقتم عليَّ بهذه الوظيفة، فإني أشترط أن أقطع من وقت وظيفتكم جزءاً للصلاة.

انظروا عزة المسلم!! الآن الذي يبحث لابنه عن وظيفة، لو قال له: إن العمل ثمان ساعات؛ من الساعة التاسعة وحتى الساعة الخامسة، قال: ليس مهم العصر والمغرب نجمعها فيما بعد، بعض المسلمين ضعيف، وَوُجِدَتْ في مختلف الأماكن، تسأل: الأخ مسلم؟ يقول لك: نعم، صليت العصر؟ يقول: والله نجمعها مع المغرب، كيف تجمع؟ قال: يا أخي! معي وظيفة ولا أستطيع.

أهو لأجل العمل؟ {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:٥٨] وليس أصحاب الوظائف، أو أصحاب الشركات، أو أصحاب الأعمال.

فيا أحبتنا في الله! يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كان يشعر بعزة وهو يحمل الدين، من كان يشعر بعظمة، ما يشعر بأنه يستحي لأنه متدين، أنا أذكر زمناً -والله- مرَّ بنا، كان المتدين في المجلس ترمقه الأبصار، وتسلقه الألسنة، وينظر إليه شزراً، ولكن بحمد الله جل وعلا، فقد منَّ الله علينا بهذه الصحوة المباركة، فأصبح الذي لا يوافق الدين، ولا يلتزم بالسنة هو الذي يستحي ويخجل إلا من كان مجاهراً معانداً مخالفاً، فذلك حقه وحظه من العناد ما يصيبه، لكن المشكلة في هذه المسألة التي هي من أسباب هلاك الأمم: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا نقول: إن الأمة اجتمعت على ترك الأمر ونبذه.

لا، وإنما بعضهم يستحي، وليس هذا بحياء؛ لأن الحياء خلق حميد يبعث على طلب مرضاة الله، وترك ما نهى عنه، ليس الحياء مجاملة الناس والسكوت عن المنكرات-والعياذ بالله- ولا حول ولا قوة إلا بالله!