للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة محمد المسكي]

ومن الأمور التي سطرها التاريخ أن شاباً وسيماً يقال له: محمد المسكي كان هذا الشاب يأكل من طعام يده، يصنع المراوح التي تعمل باليد، وكان يدور في الأزقة والأسواق ويبيع مراوحه هذه ويأكل من كسب يده، فرأته امرأة وكانت ذات مالٍ فأعجبت به، وترصدت له عند الباب، فلما مر جوار بابها، قالت: هل عندك مراوح غير هذه؟ قال: نعم.

فأرخت له الستر أو فتحت له الباب، وقالت: ادخل لأرى، فلما دخل وكان منصرفاً عنها يظن أنها سترى ما في يده من المراوح، ثم يبيعها أو لا تشتري إن أبت، ثم يخرج، فما دخل قليلاً إلا وجذبته وأدخلته دهليز بيتها وأغلقت الباب دونها ودونه، وقالت: إما أن تفعل بي الفاحشة وإما أصيحن بك بين الناس إن فلان بن فلان اقتحم بيتي وتسور داري ودخل وأراد أن يفعل بي الفاحشة، فأصبح في محنة عظيمة، إن فعل الفاحشة أصبح ممن زنوا، والزنا شأنه خبيث وخطير، والله سماه سوء السبيل: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:٣٢] فيه فحش وفيه سوء السبيل، وإن فضح نفسه فهو في مصيبة عظيمة، فقلب النظر وأدار الفكر، فقال: حسناً: أريد الحمام، فلما خلت بينه وبين الحمام، دخل المكان الذي هو (الحش) وليس الحمام آنذاك كحماماتنا واسعة، بعض الحمامات الآن تعتبر صالة أو حجرة طعام بالنسبة لبعض البيوت، بعض الحمامات تبلع (٦×٥) بعض الحمامات (١٠×٨) صحيح والله، دخلت بيتاً ذات يوم فرأيت حماماً أكبر من مجلسنا، فعجبت من هذا عجباً عظيماً، قلت: سبحان الله! هل الرجل ينام في هذا المكان؟! أن الحمام آنذاك هو (حش) توضع فيه القذارة والعذرة، مكان كالحفرة يوضع فيه الغائط -وأجل الله بيته والملائكة والسامعين أجمعين- فما كان منه إلا أن نزع الغطاء عن الحش وبيت الغائط، ثم أخذ يغرف من الغائط ويمسح على رأسه وثيابه وأجزاء بدنه، فلما ملأ بدنه بهذا خرج إليها وناداها، فلما رأته بهذه الصورة أخذت تسبه وتشتمه وطردته من بيتها.

انظروا إلى هذا الشاب الذي يدعى إلى الزنا فيأبى ولا يريد الفضيحة على نفسه، فهدي إلى هذه الفكرة الذكية، واختار أن يلطخ نفسه وبدنه بالبول والغائط حفاظاً ألا يطأ مكاناً حرمه الله عليه، ألا يلمس جسداً حرمه الله عليه، ألا يقول كلاماً يحاسب عليه، فلما خرج من بيتها أخذ يدعو ربه أن تصرف الأبصار عنه حتى بلغ بيته وغير ملابسه واغتسل مما هو فيه من النجاسة فما هي إلا لحظات حتى فاح المسك من جميع أجزاء بدنه! أكرمه الله جل وعلا، جل ربنا أن يعامله العبد نقداً فيجازيه نسيئة: {إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة:١٢٠] {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف:٣٠] لقد أحسن العمل فجاءه حسن الجزاء، أصبح ما يحل محلاً إلا والمسك يفوح من طريقه، حتى أصبح معروفاً أن فلان بن فلان مر من هذا الطريق بدليل رائحة المسك، وفلان بن فلان في ذلك المسجد بدليل رائحة المسك، وسمي محمد المسكي نسبة إلى هذه الكرامة التي أكرمه الله جل وعلا بها.