للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا يصدك الشيطان عن طاعة الله]

لا يصدنا الشيطان عن ذكر الله، والرجوع والتوبة، إن الشيطان يقول: التوبة صعبة، التوبة مستحيلة، التوبة شاقة، الرجوع أمرٌ مثاليٌ، الرجوع أمرٌ صعب المنال لا يمكن أن يتحقق، كيف نتوب؟ تريدون أن نترك الابتسامة، أن نترك الفرحة، أن نترك اللقاء، أن نترك الوصل، أن نترك لقاء الأحباب والأقارب.

نقول: ومن قال إن التوبة تعني ذلك؟ التوبة أن تُودع ما نهى الله عنه، أن تهجر ما نهى الله عنه، أن تتخلص مما نهى الله عنه، وأن تُقبل على طاعة الله، اتق المحرمات تكن أعبد الناس، إن الشيطان يُريد أن يُوقع بيننا عداوة وبغضاء، ويريد أن يضلنا، ويريد أن يصدنا عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل نحن منتهون؟ هل ننتهي من هذه الغفلة ونُقبل على طاعة الله؟ وعلينا أن نستعيذ بالله من همزه ونفخه ونفثه ووسوسته: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً} [البقرة:٢٦٨].

الشيطان يزين للعبد حتى إذا اجتمع الشيطان وأعوانه في النار يوم القيامة، وقف الشيطان خطيباً فصيحاً، فقال كما ذكر الله جل وعلا: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ} [إبراهيم:٢٢] انتهت القضية، فُرغ من المسألة، أهل النار في النار، أهل الجنة في الجنة، قام الشيطان فقال: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم:٢٢].

الشيطان يوبخ ويقرع: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:١٦] كم أغوى من شاب، نعم إن الشياطين ما نصبت حبالاً كحبال المشانق تخطف بها رقاب العباد، وإن الشياطين ليس معها أقفالاً وأغلالاً وقيوداً تضعها في الأيدي والأرجل، ولكن الشياطين سربت نغمةً إلى أذن، وزينت صورة في عين، ورسمت فكرة في خيال، وخيلت شهوة محرمة في نفس، وقادت خطوة خطوة إلى أن وقع العبد في المعصية، لأجل ذا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:١٦٨].

نعم إن الشيطان ما قال لرجل ذات يوم: اطرح هذه المرأة، وافعل بها الزنا من أول وهلة، وما قال: اشرب كأساً من الخمر أول وهلة، وما قال: خُذ أموال الربا أول وهلة، وما قال: افعل كذا أول وهلة، وإنما قاد خطوة خطوة، إنما هي كانت خيالاً، كانت خطرات، كانت سكرات، ثم هي خطوات، ثم أفعالٌ حتى وقع العبد في المعصية.

ورب عبدٍ يتوب بعد معصيته، ويُفسح في أجله، ويُمهل في عمره، فيعود ويستعتب، ورب عبدٍ يموت قبل أن يتوب، ورب عبدٍ يموت وهو يفعل فاحشته، أو يشرب كأسه، أو يعاقر محرماً من المحرمات، إن الشيطان قعد لنا في كل باب، وقعد لنا في كل طريق، إذا أذن للفجر زين لنا الفرش والوسائد، وإذا دعينا إلى الإنفاق في سبيل الله قبض أيدينا على جيوبنا، وإذا دعينا إلى محاضرة وندوة خوفنا ووسوس لنا، وزين لنا مجالس لهو وغفلة، وإذا دعينا إلى صلة رحم ذكرنا محرشاً بعداوات قديمة، وإذا دعينا إلى إصلاح ذات بينٍ جعلنا ننحاز إلى فريق دون فريق.

هكذا شأن الشيطان يقعد لكل عبد في طريقه، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال -أي الشيطان-: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبنائك، فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطِوَلْ -الطول: الحبل الطويل يشد أحد طرفيه في وتدٍ والطرف الآخر في يد الفرس، لتدور الفرس وترعى، ولا تذهب تلقاء وجهها- فعصاه ابن آدم فهاجر، ثم قعد الشيطان للمسلم في طريق الجهاد.

فقال: تجاهد، فهو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل، وتنكح المرأة بعدك، ويقسم المال، فعصاه، فجاهد، فمن فعل ذلك -يعني: من عصى الشيطان في كل وساوسه وطرائقه- كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، ومن قتل كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن وقصته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة) رواه أحمد والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح.