للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب طرق موضوع (الحزم والضياع)]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم إنا نسألك السداد في القول، والإخلاص في الفعل، اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى، وآتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وفي مستهل هذا اللقاء الذي أتشرف بلقياكم فيه -وأسأل الله جل وعلا أن يجعل جلوسكم والقول بين أيديكم خالصاً لوجهه الكريم- أود أن أزجي الشكر مثنى للقائمين على هذا القطاع المهم الحيوي المتعلق بأمور الشباب، وأسأل الله جل وعلا أن يجعل عملنا وعملهم خالصاً لوجهه، وأخص بالشكر الأستاذ: ناصر المجحج مدير مكتب رعاية الشباب، والمسئول عن هذه الأنشطة وهذا القطاع المهم، أسأل الله جل وعلا أن يجعله من الدعاة إلى دينه، وأن يجعله مباركاً أينما كان، وأن يوفقه وأمثاله وكل مسلم إلى فعل الخير والدعوة إليه وتسهيل أمره.

أيها الأحبة: تعلمون أني لست بشاعر ولكني أحب مداعبة الشعراء والسامعين بشيء من الحديث، وفي الطريق أخذت أهمهم وأنمنم بكلمات تجول بخاطري أقول فيها:

الحزم وسط المعمعة على جبين المجمعة

والجد حال المعضلات يبغي اليقين أجمعه

يا فتية الحق اعملوا وليس فيكم إمعة

إنا نروم وثبة شما بغير جعجعة

فلينأ عن درب الهدى من هاب أرض المسبعه

كل جبان لا يجيـ ـد اليوم إلا الفرقعة

وليرق نحو المكرما ت رضيع مجد أكتعه

بلاؤنا من فارغ في كل جمط لمعه

فحقه يا إخوتي كسوته بالبردعة

والبردعة: كساء يوضع على ظهر الحمار.

فإن أبى معانداً لا بأس في أن نصفعه

أيها الأحبة: أما الحديث في هذه الكلمة فموضوعه: (الحزم أو الضياع) ولعل المعنى واضح من العنوان، والداعي إلى طرق هذا الموضوع: أنني رأيت عدداً لا يستهان به من الشباب لا هم لهم إلا التسكع في الشوارع، والتجوال في الطرقات، والجلوس على الأرصفة، وتبادل الأنفاس المشحونة المليئة بسحب الدخان، واجترار الأحاديث التي لا فائدة منها، وتناقل الأقوال التي لا طائل من ورائها، والحقيقة أن نفس كل غيور حينما يرى هؤلاء الشباب يتسكعون على أقدامهم، أو يتجولون بسياراتهم، أو يجلسون على الطرقات والأرصفة، لا هم لهم إلا الدندنة والطنطنة والحملقة بالأبصار في الغادين والرائحين، والغاديات والرائحات، أن القلب والله ليتقطع أسى، وإن الفؤاد ليتألم من شدة ما يرى من مصيبة الأمة في هؤلاء المتسكعين، ومصيبة الأمة من هؤلاء الضائعين، في مصيبة الأمة من هؤلاء الفارغين، الذين لو كانوا عناصر فعالة، أو مواهب منتجة، أو طاقات واعدة لرأينا فيهم خيراً، لكن البلاء كل البلاء أن بعضاً من أولئك كالأنعام؛ يأكلون ولا ينفعون، ويستهلكون ولا ينتجون، وأمة الإسلام تنحر وتذبح، والجرح نازف، والدماء تسيل، والرقاب تقطع، والحوامل تجهضن، والأعراض تنتهك، والبيوت تدمر، والمدن يشرد أهلها منها، ولا حرمة لمسلم.

وأنتم ترون هذا كله جلياً فيما نسمعه، ونراه ونقرؤه، وينقل لنا عن أحوال إخواننا في البوسنة والهرسك، وهو مثال من الأمثلة، إذ ما هو في كشمير ما هو أفظع وأشد من هذا، لكن وسائل الإعلام لم تلتفت إليه، وفي بورما ما هو أشد من هذا ووسائل الإعلام لم تلتفت إليه، ولا حجة لنا أن نتعلل بأن وسائل الإعلام لم تطرح هذا، وليس بحجة للمسلم أن يقول: إن هذا أمر لم تطرحه الوسيلة الفلانية، إذ أن الأصل في كل مسلم أن يهتم ابتداءً لا أن نطالبه بالاهتمام بعد بلوغ الخبر، إذ بعد بلوغه الخبر عن أحوال المسلمين لا عذر ولا حجة له ولا يقبل منه قول أبداً، لكن المطلوب أن يبدأ الاهتمام ابتداءً، وأن يكون الباعث هو الغيرة على أحوال المسلمين وأعراضهم.

أيها الأحبة في الله:

أتسبى المسلمات بكل أرض وعيش المؤمنين إذاً يطيب

فكم من مسجد جعلوه ديراً على محرابه نصب الصليب

وكم من مسلم أضحى سليباً ومسلمة لها حرم سليب

دم الخنزير فيه لهم خلوق وتحريق المصاحف فيه طيب

أحل الكفر بالإسلام ضيماً يطول عليه في الدين النحيب

فقل لذوي البصائر حيث كانوا أجيبوا الله ويحكم أجيبوا

أيها الإخوة! هؤلاء الذين نراهم يتسكعون ويدورون لو أن مع كل واحد منهم بندقية، أو لو أن في كل منهم نفساً أبية لما وجدناهم بهذه الحال، مسلم يقتل، ومسلم ينتسب إلى الإسلام، ولا هم له إلا المعاكسة والمغازلة!! مسلم يذبح ومسلم آخر لا هم له إلا النوم على الأرصفة!! مسلم ينتهك عرضه وآخر لا هم له إلا أن يلاحق آخر فيلم خرج وآخر تمثيلية خرجت، وآخر نجم اعتزل، وأول ممثلة ودعت أو غيرت؟!! هذه والله بلية ومصيبة، ولكن أيها الأحبة: هو الحزم أو الضياع، النفس الإنسانية بطبعها ميالة إلى الراحة والكسل، وقديماً قال القائل:

والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

فخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محضاك النصح فافتهم

ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً فأنت تعرف كيد الخصم والحكم