للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نعيم الدنيا والآخرة]

فيا أيها الأحبة في الله! هو ذاك نعيمُ الآخرة، وهذا نعيم الدنيا، شتان شتان بين هذا وهذا في البقاء والدوام والملذات: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة:٢٥].

الله أكبر يا عباد الله! هذه الجنة يوم أن تتبادرك الحور العين، يزغردن ويصفقن بقدومك، يتقدمنك إلى قصرك اللؤلئي في جنات النعيم، يوم أن يقال: ادخل وارق، ورتل القرآن كما كنتَ ترتل في الجنة، فمنزلتك عند آخر آيةٍ تقرأها.

الله أكبر يا عباد الله! يوم أن تكونوا يا معاشر المؤمنين! يوم العرض الأكبر على الله، فيدخل من نجا إلى الجنة، ويدخل من هلك إلى النار، نسأل الله ألا يكون بيننا أحد من الهالكين، ولا أن نكون منهم، ثم بعد ذلك إذا انتهى الفصل في القضاء والخطاب بين العباد، نادى منادٍ يا أهل الجنة! خلودٌ ولا موت، يا أهل الجنة! خلودٌ ولا موت، يا أهل الجنة! إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً، ويا أهل النار! خلودٌ ولا موت، يا أهل النار! خلودٌ ولا موت {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة:٩٢ - ٩٤].

عباد الله! ثم إذا استقر أهل الجنة في الجنة، ناداهم رب العزة جل وعلا، وقال: عبادي هل رضيتم عني؟ عبادي: هل رضيتم عني؟ عبادي: هل رضيتم عني؟ الله أكبر يا عباد الله.

خلقنا من العدم، وآتانا الصحة في الأبدان، والأمن في الأوطان، وأنواع الأرزاق، ثم يغفر لنا برحمته، ويدخلنا الجنة بمنه، ثم يقول: عبادي! عبادي! هل رضيتم عني، من ذا الذي لا يرضى عن ربه بعد هذا؟ فيقول: أهل الجنة، يا ربنا! ألم تغفر ذنوبنا! ألم تكفر سيئاتنا! ألم تدخلنا الجنة؟! رضينا عنك يا رب، {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة:٨] لمن خاف الله في السر، لمن اتقى الله في خلوته، لمن خشي ربه.

فيقول الله جل وعلا: إن لكم عندي وعداً، يقولون: ألم تبيض وجوهنا! ألم تدخلنا الجنة! ويقول الله جل وعلا: إن لكم عندي وعداً أنجزكموه، فيكشف ربنا جل وعلا عن وجهه الكريم، فينظرون إلى وجه الله العظيم، فما أوتوا نعيماً في الجنة ألذ من النظر إلى وجه الله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:٢٢] جميلة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:٢٢] مشرقة، بهية: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٥].

تخشى الهلاك، وتحقق الظن بالعذاب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هذه الجنة يا عباد الله! لا نتغوط فيها، ولا نتبول فيها، نلهم فيها التسبيح والتهليل كما نتنفس هذا الهواء شهيقاً وزفيراً، وإذا اشتهيت شيئاً من نعيمها، تدنت لك أغصان الجنة: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:٢٣]، تتدنى للمؤمنين: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:٢٤].

كان الناس يسهرون على الأفلام والمسلسلات، وكان أهل الجنة يراوحون الأقدام قيام الليل أُنساً بالله جل وعلا، كان الناس يسهرون في الورق والعبث، وكان أهل الجنة يقلبون كلام الله جل وعلا في كتابه الكريم، ويتدبرون آياته، كان الناس ضاحكين غافلين مسرفين، أما أهل الجنة فكانوا خاشعين خائفين مخبتين: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:٢٤].