للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بعض الآثار السيئة للحقد والحسد]

إن الله جل وعلا قد قسّم بين العباد أرزاقهم ومراتبهم وأحسابهم وأنسابهم، وجعل أكرمهم عنده أتقاهم.

أيها الأحبة في الله! إن علاقة المسلم بإخوانه علاقة محبة، وعلاقة تفيض بمشاعر إيمانية أخوية ليست تقف عند حدود نفسه أو ذريته أو أقاربه، بل تمتد لتغمر من حوله، وتفيض على الآخرين سلامةً وحباً وأمناً، وتلك هي صفات الأمة المسلمة الذين: {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر:١٠] ولك أن تتخيل نفساً أو نفوساً عمرها الحقد بل خربها، وأفسدها الحسد ماذا تتصور أن يخرج منها؟ ماذا تتصور أن ينتج من قلوب فرخ فيها الغل والإحن والبغضاء والعداوة؟ هل ستجد أصحاب هذه النفوس يدعون لإخوانهم بظهر الغيب؟ أم تراهم يحسنون الظن بهم؟ أم تراهم يؤولون أفعالهم على خير وجه يُرضي الله؟ أم تراهم يكفون عن الغيبة عند عرض أعراضهم على الألسنة في المجالس؟ بل ستجد ما يدعو إلى ما هو أعظم من ذلك وأخطر: وهو والعياذ بالله الخصومة والعداوة التي إذا نمت وغارت وتجذرت جذورها وتفرعت أشواكها جعلت الإيمان يتناقص شيئاً فشيئاً، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب).

أيها الأحبة! بل إن هذا الحسد وذلك الغل وتلك البغضاء وتلك الإحن والعداوة، ربما امتدت بأصحابها إلى أن جعلتهم والعياذ بالله يقعون في صغائر، ثم يصرون عليها فتكون من الكبائر، ثم يقعون فيما يُسقط مروءتهم، ثم يلغون فيما يوجب اللعنة، وعلى أية حال فكل عين ساخطة تنظر من زاوية واحدة داكنة، تعمى عن الفضائل، وتضخم الرذائل، وقد يذهب بها الحقد إلى التخيل وافتراض الأكاذيب، وقبول الأقاصيص والروايات التي لا زمام لها ولا خطام، ولا سند صحيح يدعمها من رواية الثقات أو العقلاء.

بل إن من عواقب ذلك الحقد ونتائج تلك البغضاء الوخيمة أن صاحبها ربما اشتهى وتلذذ وتمنى إيقاد نيران العداوة بين المؤمنين، وذلكم ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، لكن بالتحريش بينهم).

أيها الأحبة! إن كثيراً من المسلمين لن يعبد صنماً ولن يطوف بقبر ولن يذبح لغير الله، فذلك مما يئس منه الشيطان بهؤلاء المسلمين في جزيرة العرب خاصة، ولكن الشيطان رضي وقنع منهم بما يحرشه لإفساد ذات بينهم، ولما يخرب به قلوب بعضهم على بعض حتى تبدأ النفوس تتطاول في أعراض بعضها، فتزاح وتمحو وتتسلط على حسناتها، فقد يكسب المرء حسنات ثم يخسرها بآلاف السيئات التي ارتكبها، فما ظنكم برجل يُتاجر في الصباح فيربح ألفاً، ويُقامر في المساء فيخسر خمسة آلاف؟! فإن ذلك لا يعد من الرابحين ولا من التجار، بل يعد من الخاسرين الذين تسلطوا على تجارتهم فأهدوها لغيرهم.

إن النفوس إذا تنافر ودها مثل الزجاجة كسرها لا يشعب

احرص على حفظ القلوب من الأذى فرجوعها بعد التنافر يصعب