للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال السمع والبصر واللسان في رمضان]

العاقل -أيها الأحبة- يعصم سمعه ولسانه وبصره: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:٣٦].

فكم من رجل يدرك هذا الشهر، فيصوم بفمه عن الطعام والشراب، ولا يصوم لسانه عن القيل والقال، ولا يصوم عن الغيبة والنميمة، يتسحر ويفطر ليهدي أجر صومه إن ثبت له أجر الصوم، ليهديه إلى الذين يغتابهم، وإلى الذين يتكلم في أعراضهم، وكثير من الناس بهذا يقعون وفي هذا يشتغلون.

فالعاقل يعصم لسانه وبصره، فما أكثر الذين يصومون عن المأكل والمشرب والمنكح، ولكن آذانهم لا تصوم عن سماع اللهو، ولكن أعينهم لا تصوم عن النظر إلى الحرام! وتراهم حتى في شهر الصيام يشترون لهو الحديث، ويضلون أنفسهم، ويضلون من دونهم بغير علم: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل:٢٥].

إن كثيراً من الناس ربما تراه في نهار رمضان صائماً، ثم ينظر إلى قناة من القنوات، تلك التي يستقبلها جهاز الدش أو المستقبل، ثم يرى شيئاً يُستهزئ فيه بكلام الله، ويُستهزئ فيه بسنة رسول الله، ويسمع فيه ما يناقض العقيدة والشريعة، فتراه لا يزيد أن يقلِّب يداً على الأخرى، أو يضع رجلاً على رجل وقد نسي قول الله: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ} [النساء:١٤٠].

فما أكثر المسلمين اليوم الذين يرون عبر هذه القنوات أموراً فيها استهزاءً بآيات الله أو بشريعة الله أو بسنة رسول الله، ولكنهم لا يقومون ولا يتحركون ولا يتجافون أو يبرحون هذا المكان! وإنما تراهم على منكرهم يقعدون ويمكثون، فأولئك والله على خطر عظيم، أن ينالهم نفس الوزر الذي يناله الفاعلون؛ لأن من رضي وسكت وأقر فيما يسمع ويرى من غير أن يقوم وينكر بقلبه على الأقل؛ فربما كان وشيكاً أو حقيقاً بأن يدخل في هذا الوزر العظيم.

أما كثير من المسلمين الذين لا يتورعون عن سماع اللهو والغناء، سواءً في رمضان خاصة وفي غيره عامة، فنقول لهم: يا عباد الله! أبهذا يستقبل الشهر؟ أبهذا يتقضى العمر؟ أبهذا يقضي المسلم سحابة يومه؟ يسمع الأغاني الماجنة والأغنيات الخليعة والدندنة والطنطنة التي تشغل عن ذكر الله والتي تصد عن استماع كلام الله؟ ورحم الله القائل: فلعمر الله كم من حرة صارت بالغناء من البغايا! وكم من حر أصبح بالغناء عبداً للصبيان والصبايا! وكم من غيور تبدل به اسماً قبيحاً بين البرايا! وكم من ذي غنىً وثروة أصبح بسبب اللهو على الأرض بعد المطارب والحشايا! وكم من معافى تعرض لهذا اللهو فأمسى وقد حلت به أنواع البلايا! وكم أهدي للمشغوف من أشجان وأحزان فلم يجد بداً من قبول تلك الهدايا! وكم جرع من غصة! وأزال من نعمة! وجلب من نقمة! وذلك منه إحدى العطايا! وكم خبأ لأهله من آلام منتظرة وغموم متوقعة وهموم مستقبلة! نعم يا عباد الله! إن اللهو وسماعه، والحرام والنظر إليه، والمعصية والاشتغال بها، تورث ذلك كله، فالعاقل يصون صومه، ويصون جوارحه في صيامه: (فمن لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).