للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستمرار في المعصية يجعلها عادة]

أيها الشاب: إن من وقع في المعصية لم يزن بأول امرأة قابلها في الطريق، وإن من شرب الخمر لم يشرب أول كأس رآه أول مرة، وإن من وقع في التدخين لم يشرب أول سيجارة من أول وهلة، وإن من وقع في الحرام لم يتعاط صفقة ربوية من أول وهلة، وإنما كانت قبل ذلك نتيجة فراغ عن علم فراغ عن تقى فراغ عن خشية فراغ عن مراقبة لله، فلما خلت النفس من ذلك كله؛ حلت أفكارٌ بالشهوة، وأفكارٌ بالغريزة، وأفكارٌ بالمعصية، ثم بدأ الخيال، جاء الشيطان إليك -أيها الشاب! - وقال لك: تخيل لو كنت كذا وكذا، لو كنت تفعل كذا وكذا، لو كنت تشرب كذا وكذا، لو كنت تبيت تلك الليلة مع كذا وكذا إنما هي خيالات تدور، ثم قادك الشيطان خطوة خطوة، وقال: لماذا لا تنظر ولو مرة واحدة؟ لماذا لا تتأمل ولو مرة واحدة؟ كما وقع كثيرٌ من الشباب الذين سافروا إلى الخارج، أو من وقع في الفساد في داخل بلاده أو خارجها، جاءه الشيطان وقال له: لماذا لا تنظر فقط بمجرد رؤية كيف يفعل أهل الباطل الباطل؟ كيف يفعل أهل الفاحشة الفاحشة؟ كيف يقع أهل الزنا في الزنا؟ كيف يقع أهل الخمر في الخمر؟ فقاده الشيطان خطوة خطوة، فما زاد عن أن أزاح الستر، وأخذ ينظر نظرة، ثم انصرف بعدها فوراً، ثم نظر أخرى، ثم ثالثةً، ثم قال: ما ضر لو دنوت، ثم مشى بعد ذلك، فقال: ما ضر لو لمست، ثم لمس بعد ذلك، فقال: ما ضر لو فعلت مرة واحدة ثم تبت، ثم فعلها، فقال: ما ضر لو فعلت ثانية ثم نجوت، ثم فعلها، ثم أدمن هذا الفعل، فأصبح-والعياذ بالله- قد كسر جدار الخشية، وهدم سور المراقبة، وأصبحت النفس هينةً عليه، والدليل على ذلك أن أول ما يقدم العبد على فاحشة أو معصية، تجد قلبه يخفق ويضرب ويرتجف ويتردد وفرائصه ترتعد؛ لأنها أول مرة يرتكب المعصية، لكن في المرة الثانية يكون جريئاً، وفي المرة الثالثة يكون متعوداً، حتى إن بعضهم أصبح الزنا بالنسبة له كأي مكالمة هاتفية يرد عليها، وبعضهم أصبح شرب الخمر كشرب الماء، وبعضهم أصبح تعاطي المخدرات كأي عقار من الدواء يتناوله؛ لأنه تمرس وتردد وأمعن في هذه الغواية، كانت في البداية أمراً يخافه، ويضطرب عنده، ويتردد عند فعله، وترتعد فرائصه حوله، وبعد ذلك أصبح أمراً -والعياذ بالله- عادياً.