للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعوة الأفراد ودعوة الجماعات]

أيضاً من المفاهيم الغريبة والعجيبة، وهذه لاحظتها في الخارج كثيراً: أن يتصور البعض أنه لا يمكن أن تتم الدعوة إلى الله إلا من خلال جماعة، أو حزب منظم، فيتصور البعض أنه لا يمكن أن يدعو إلى الله، أو يشارك في الجهود الدعوية إلا بعد أن ينخرط في سلك الجماعة، وأن يلتزم بأحكامها وأوامرها، ونقول: هذا ليس بصحيح.

بل هناك أشخاص نراهم أكبر من أفكار الجماعات، ونراهم أوسع آفاقاً من أفكار هذه الجماعات، بعض الأشخاص الله سبحانه وتعالى أعطاه فكراً كبحر يتدفق، والجماعة قوالب معينة، فكيف تريد أن تجر هذا البحر وهذا الفكر، وهذه الفتوحات، وتجعله في قالب جماعة، أو حزب، أو مجموعة منظمة معينة؟

الجواب

يمكن أن تدعو إلى الله جل وعلا من خلال هذه الجماعة ومن خارجها، والأدلة والشواهد على ذلك في تاريخ الإسلام كثيرة، أنا أقول هذا أيها الأحبة لماذا؟ لأن بعضهم في ريبة من أخطاء جماعته، أو أخطاء حزبه، يريد أن يترك هذا الحزب، أو أن يترك هذه الجماعة مثلاً، ولكن يظن أنه إذا تركهم فلن يستطيع أن يدعو، أو يؤثر، أو يعمل، لا،

الجواب

أنه يمكن أن يعمل، وأن يلتزم، بل بعضهم يظن أنه لو ترك هذه الجماعة، لم يعد أمامه خيار آخر إلا أن ينحرف، وأن يضل ضلالاً بعيداً، هذا ليس بصحيح، بل الشريعة والعبادة والدين واضح وجلي بحمد الله عز وجل، ومجالات الدعوة- كما قلنا- متاحة، وتستطيع أن تدعو إلى الله سبحانه وتعالى دون الانخراط في هذا الحزب أو في هذه الجماعة، وهذا ليس من باب الحرب على الجماعات، بل في الجماعات حسنات وسيئات، وعندها صواب وخطأ، والحق مقبول، والخطأ مردود، ولكن المقصود بيان إمكان العمل بسهولة تامة، وتأثير بالغ دون أن يرتبط الإنسان بهذه الجماعة.

أما فيما يتعلق ببلادنا في هذه المملكة الطيبة المباركة الذي أراه أننا في بلاد لا يسوغ لنا أن نعمل في ظل جماعات منظمة أو أحزاب، هذا طبعاً كما أعلم غير موجود ولله الحمد، ليس هذا اتهاماً، لكن لو أراد أن يقول ذلك، نقول: لماذا نكون جماعة؟ نحن بلاد مسلمة، ودولة مسلمة، وعندنا خير، وأخطاء، وحسنات، وسيئات، وسيئاتنا وأخطاؤنا لا تخرجنا عن صفة الإسلام، والحسنات الموجودة عندنا تستطيع أن تستثمر جهودك من خلالها، أومن خلال قنواتها، فأنت على خير عظيم بإذن الله عز وجل، فينبغي أن ننتبه لهذا، وحينما أقول ذلك، أدعو حتى لا يقع أحد في أمر جهل منه.

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا

ربما شاب غرير يسافر إلى الخارج، ثم يلقى جماعة يقولون له: تعال معنا نريد أن نكون جماعة، تعال بايعنا عندنا أمير، ومسئول، ونقيب، وقل له: يا أخي الحبيب! أنا في بلد مسلمة لا أحتاج إلى ذلك، اسألهم.

قل: هذه الجماعة من أجل ماذا؟ يقولون: من أجل إقامة دولة مسلمة، قل: الآن أعيش في دولة مسلمة، الجهود التي تريدني أن أفعلها في إقامة دولة مسلمة هي موجودة، جهودي أوجهها في إنكار المنكر، والأمر بالمعروف، وإصلاح الخطأ، وتكثير الخير، وتقليل الشر ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، لا أن أتصور أنني ينبغي أن أعيش بكيان أو بتنظيم معين داخل هذه الدولة معاذ الله، وعلماؤنا الأفاضل وكبار العلماء قد نهوا عن ذلك، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح الإمام مسلم: (لا حلف في الإسلام) في عصور الخلافة، في عهد أبي يكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، في عهد عمر هل وجدتم بعض الصحابة ذهب يصنع له جماعة من أجل أن ينكر منكراً؟ لا.

ينكر المنكر مباشرة بأساليبه، بأحكامه، بآدابه، بضوابطه، من يوفق إلى الخير يهد إليه، من يحقق الله على يده خيراً فالحمد لله، من يعجز عن ذلك، أو يبتلى، أو يحصل له ما يحصل، يصبر على ما يأتيه، وهذه سنة الله في خلقه.