للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقوق لا إله إلا الله]

{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الحشر:٢٢ - ٢٤].

تتكرر الأسماء وتتعدد وتتنوع، وتتضمن هذه الصفات، وكلها كمال مع كمال، وبهاء مع جلال، قال الشيخ/ محمد بن عثيمين في رسالته القيمة النفيسة، التي أنصح كل شاب وكل طالب علم أن يعتني بها؛ دراسةً وفهماً وفقهاً، المسماة: القواعد المثلى في أسماء الله وصفاته الحسنى: إن من القواعد الثابتة في أسماء الله وصفاته أن دلالة أسماء الله على صفاته دلالة بالمطابقة والتضمن والالتزام، فإن كلمة لا إله إلا الله تتضمن كافة أسمائه، وكافة صفاته، وضرب لذلك مثلاً -مناسباً أن نطرحه- ألا وهو قول الله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} [الطلاق:١٢] ففي أول الآية الله عز وجل يبين أنه الخالق، وهذا اسم من أسمائه، ويقتضي هذا الاسم أن يكون الخلق والإيجاد من العدم، وإبراء النسمة والخلق من العدم هو من صفات الله عز وجل، فالاسم الخالق، والصفة الخلق، ويقتضي ذلك صفات بالتضمن والالتزام: أن يكون قادراً على ما يخلق، عليماً بما يخلق، حكيماً فيما يخلق، فكذلك لا إله إلا الله، الله اسم علمٌ على الله يتضمن هذا الاسم أسماء الرحمة وكل اسم فيه الرحمة وفيه المغفرة، وفيه الخلق، وفيه الرزق، وفيه كل ما يليق بالله عز وجل من أسمائه الحسنى، وكل ما يليق بالله عز وجل من صفاته العلى.

إن كلمة لا إله إلا الله تتضمن كل شيء، فالله هو الرزاق ذو القوة المتين لمن أراد أن يسأل ربه بالرزق، وهذا ما يسمى بتوحيد المسألة؛ أن تسأل الله باسم يناسب سؤالك، فإن كنت تريد رزقاً فقل: يا رزاق! ارزقني، وإن كنت تريد رحمة فقل: يا رحمان! ارحمني، وإن كنت تريد قوة فقل: يا قوي! قوني.

إن كلمة لا إله إلا الله تضمنت كل أسماء الله وصفاته، فمن أراد رزقاً فالله هو الرزاق، ومن أراد فضلاً فالله ذو الفضل العظيم، ومن أراد ذرية فالله هو الذي يهب الذرية: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً} [الشورى:٤٩ - ٥٠] ومن أراد العزة فالله هو المعز، ومن أراد النصرة فالله هو الناصر، ومن أراد العون فالله هو المعين، ومن أراد التيسير فالله هو الميسر، ومن أراد البركة والطمأنينة ألا إنها في ذكر الله: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨].

(لا إله إلا الله) كلمة سعد بها من نطق بها وقام بحقها، وشقي وضل من جحدها، لقد أنكر هذه الكلمة أقوام فعاشوا عيشة الضنك والحسرة، يجزعون لكل مصيبة ولو تافهة، ولا يؤجرون على ما فاتهم من حظ، ولا يؤجرون على ما حل بهم من أسى، يتخوفون من المستقبل وعاقبتهم إلى النار، عبدوا بجحودهم دنياهم فأوردهم ذلك شقاء، فتعبوا وانتكسوا يحبون أن يجنوا لزوالها أو نقصها، ويتقاتلون على تحصيلها، ولا يحتسبون ثواباً فيما أنفقوا ولو على أنفسهم وأهليهم منها، لماذا؟ لأنهم لم يقوموا بلا إله إلا الله.

ألا وإن من واجبنا أن نفهم هذه الكلمة بكل معانيها، وأن نظل دائماً داعين إليها.

(لا إله إلا الله) الركن الأعظم قبل كل شيء، وكل عمل يبنى عليها، وبدونها لا يقبل عمل ولو كثر أو تعاظم؛ لأجل ذلك أيها الأحبة! نالت قضية التوحيد قدراً عظيماً وحيزاً كبيراً من الاهتمام والمقام في كلام الله وكلام رسوله.

وقد يقول قائل: إن لا إله إلا الله فقط نالت اهتماماً في بداية الدعوة، وفي صدر الدعوة، وفي السور المكية، ولما قامت دولة الإسلام في المدينة، ولما أمن النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه بدولته في مهاجره في المدينة لم يعد الأمر كما كان في التنويه والتنبيه والإشارة إلى عظم لا إله إلا الله.

وليس هذا بصحيح، فإن كلمة لا إله إلا الله لم يُخاطَب بها المشركون وحدهم، بل خوطب بها المؤمنون أيضا تذكيراً وتثبيتاً، وكما خوطب بالدعوة إليها الكفار في كثير من السور والآيات المكية، خوطب بها المؤمنون في كثير من الآيات والسور المدنية.

أيها الأحبة: اسمعوا قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ} [النساء:١٣٦] أوليس ربنا عز وجل ينادي عباده ويدعوهم باسم الإيمان ثم يقول: آمنوا بالله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً} [النساء:١٣٦]؟ إن الحياة لا تقوم إلا على الحقيقة -الحق كله في لا إله إلا الله- وأعظم حقيقة هي لا إله إلا الله، فهذه الكلمة وما تضمنته حق وما سواها باطل، لا إله إلا الله تحجب التأله عن كل شيء إلا لله وحده، ومن لم يكن الله الرحمن الرحيم الحي القيوم إلهه فإلهه الهوى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:٢٣] من لم يكن الله إلهه فإلهه شهوته في منصبه أو ماله، فيما يريد أو فيما يذر، قال صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الخميصة، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميلة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش).

نعم، إن لا إله إلا الله من كانت قضيته فأذعن لها صار عبداً لله عز وجل، ومن ضيعها وجهلها وصرف عنها شقاءً وضلالاً ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإنك لا تحصي كم يتخبطه من الآلهة من شهواته، ومن ملذاته، وممن يهابهم ويرهبهم ويخافهم، وممن يخشاهم على نفسه ورزقه وحياته.