للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية المحافظة على الوقت]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة؛ وكل بدعةٍ ضلالة؛ وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة في الله: قضاء الإجازة أو وقت الفراغ يعود لكل واحدٍ بالنسبة لحاله ومرتبته ومكانته، فأما سائر الشباب فإنا ننصحهم على اختلاف مستوياتهم أن يملئوا أوقاتهم بما يرفع قدراتهم، فمثلاً: تمضي هذه الإجازة بشهرين أو بثلاثة وقد كنت لا تحفظ من القرآن شيئا فلو قررت ألا تنتهي الإجازة إلا وقد حفظت من القرآن حظاً طيباً فهذا قرارٌ رشيد، وحظٌ جزيلٌ لمن قام به وناله، وما الذي يمنع الكثير منا وهو يملك في كل يومٍ وليلة أربعاً وعشرين ساعة، أيعجزه أن يقضي ساعةً في بيتٍ من بيوت الله عند أحد القراء الحافظين؛ لكي يحسن تلاوته ولكي ينمي موهبته ولكي يزيد حظه من كلام الله جل وعلا.

إن من قام ولو بساعةٍ واحدة في كل يومٍ عبر هذه الإجازة لقادرٌ أن يحفظ ثلث القرآن كاملاً بلا شك أو تردد، فما الذي يعيقنا أو يردنا أو يمنعنا إلا أن الأوقات تضيع في السبات العميق، وفي النوم الطويل وفي الذهاب والإياب مع أناسٍ قد لا يعود الذهاب والإياب معهم بحظٍ وافرٍ من الأجر على النفس.

فيا عبد الله: قارن نفسك إن كنت تحترمها، وقارن وقتك إن كنت تقدر قيمته قبل الإجازة وبعدها في بداية الإجازة ونهايتها، إن كنت ممن يحترم نفسه فأنت ممن يحترم وقته، ومن قدر قيمة الوقت وضع القرارات المناسبة لما يملأ به وقته ليجد نفسه أمام آخر يومٍ من أيام الإجازة، هل حقق ما قرر أم لا؟

ولست بمرجعٍ ما فات مني بليت ولا لعل ولا لو اني

أما الذين يسوفون وليتنا ولعلنا ولو أننا إلى آخر ما يرددون به على أنفسهم ويتمنونه، فإن التمني رأس أموال المفاليس، فأولئك يبدءون أعواماً وليست إجازات، وتنتهي سنوات وليست لحظات وهم على مكانهم عرفناهم قبل خمس أو عشر سنين وهاهم اليوم كما عرفناهم لم يزدادوا فقهاً ولا حفظاً ولا علماً ولا دعوة، فمن كان يعرف قدر نفسه وقيمة وقته فليقارن بين بدايته ونهايته ليعلم إن كان حقق نجاحاً ليحمد الله أو ليقيم نفسه في عداد الذين لا يعرفون لأوقاتهم قيمة، إن أصحاب المشاريع ليضعون المخططات ثم يقسمون مراحل العمل على مرحلةٍ أولى، فيقدرون أنهم في الشهر الأول ينهون هذه المسافة من هذا المشروع، وفي الشهر الثاني ينهون هذه المسافة من هذا المشروع وفي الشهر الثالث يكملون مشروعهم كاملاً، فحريٌ بنا ونحن نعنى بأوقاتنا فيما يقربنا إلى طاعة ربنا أن نجعل المخطط أمامنا وأن نبني المشروع بين أعيننا، فمشروعنا كتاب الله، من ذا الذي يعاهد ربه في هذه الإجازة أن يحفظ حظاً من كتاب الله جل وعلا، من ذا الذي يعزم بنفسه على أن ينال حظاً من سنة رسول الله، أين داعية يعزم على نفسه أن يهدي الله على يديه في هذه الإجازة أربعةً أو خمسةً من الشباب، يردهم إلى المساجد بعد أن كانوا لا يصلون، يردهم إلى البر بعد أن كانوا يعقون، يردهم إلى الصلة بعد أن كانوا يقطعون، هذه مشاريع الشباب المسلم في هذه الإجازة، حفظ لكتاب الله، وفقه لسنة رسول الله، ودعوةٌ إلى الله، وهداية للضلاّل إلى صراط الله، وعملٌ بما يقربهم إلى مرضاة الله جل وعلا.

أما الذين تبدأ الإجازة وتنتهي ولم يزدادوا بها إلا كسلاً ونوماً وخمولاً، فأولئك قد دفنوا جزءً عظيماً ووأدوا حظاً وافراً من أعمارهم.