للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عِظَم الجزاء لمن رضي بالبلاء

فإذا تيقن المسلم هذا، انفتح له باب الرضا بالقضاء، والتلذذ بالصبر حين البلية، لماذا؟ لأنه علم من كلام نبيه صلى الله عليه وسلم، أن أصغر بلية حتى الشوكة، فإنها تكفر عنه الذنوب والخطايا، فإذا تأمل العبد وعلم قول نبيه صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه، حتى يوافى به يوم القيامة) إذاً فلا خسارة في الصبر، بل الخير والسعة فيه صغرت المصيبة أو كبرت، قال صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

وجاء في حديث آخر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فما يبرح البلاء في العبد، حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) رواه ابن ماجة وابن أبي الدنيا والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، فمن ذا الذي يسخط ويجزع ولا يصبر، وهو يوقن بهذه النعم الجزيلة في رفعة الدرجات وتكفير السيئات، حينما تنزل به البلية، أو تحل به المصيبة.

جاء في الحديث عن أبي سعيد: (أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موعوك على قطيفة، فوضع يده فوق القطيفة، فقال: ما أشد حماك يا رسول الله! قال: إنا كذلك يشدد علينا البلاء، ويضاعف لنا الأجر، ثم قال: يا رسول الله! من أشد الناس بلاءً؟ قال: الأنبياء، قال: ثم من؟ قال: العلماء، قال: ثم من؟ قال: الصالحون، كان أحدهم يبتلى بالقمل حتى يقتله، ويبتلى أحدهم بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يلبسها، ولأحدهم كان أشد فرحاً بالبلاء من أحدكم بالعطاء) رواه ابن ماجة وابن أبي الدنيا واللفظ له، وقال: صحيح على شرط مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليه بما يكره، حتى يبلغه إياها) وفي رواية أخرى: (إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة، فلم يبلغها بعمل، ابتلاه الله في جسده، أو ماله أو ولده، ثم صبر على ذلك، حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله عز وجل) رواه أحمد وأبو داود وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط.

فمن كان مؤمناً حق الإيمان بربه ولطف رحمة خالقه، ومن كان مؤمناً حق الإيمان بنبوة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم فهل يجزع أو يتضجر من مصيبة حلت به؟! وقد علم أن الخير كل الخير فيها، لا والله، بل موقف المؤمنين الرضا بتدبير الله واختياره لهم، والقناعة بقسمة الله فيما قدر وقسم، ولا يدفع المؤمن ما حل به إلى البعد عن طاعة الله، بل يحدوه ويدفعه إلى مزيد الطاعة والعبادة والمحافظة على ما فرض الله، وتجنب ما يسخطه.