للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرحيل الدوري]

إن هذا الرحيل يذكرنا برحيلٍ نعيشه في كل يومٍ وليلة، أوليس الله عز وجل يقول: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر:٤٢] برحيل هذا العام لا بد أن نتذكر الرحيل الحق لأنفسنا ولأبداننا، ولقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نتذكر الرحيل فقال: (أكثروا من ذكر هادم اللذات) رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة، وإننا كما قرأنا الآية آنفا نعيش هذا الرحيل في كل يومٍ أو في كل ليلة، فإن الله عز وجل يتوفى هذه الأنفس حين موتها الموتة الصغرى في نومها، فيمسك التي قضى عليها الموت، أي: يمسك التي قضى عليها الرحيل الحقيقي والميتة الحقيقية، فلا تعود الروح إلى مضجع صاحبها، ويرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمى.

ويقول تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} [الأنعام:٦٠] فقد أخبر سبحانه أن كلاً من النفسين الممسكة والمرسلة توفيتا وفاة النوم، ولكن من كتب لها الرحيل الحقيقي لا تعود إلى مضجع صاحبها، ولكن عند الرحيل، تمر النفس بسكرات، وتمر بآهاتٍ وأنات، وكما قال تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:١٩] للرحيل سكرات، يلاقيها كل إنسان رجلٍ وامرأة وفتىً وفتاة حال الاحتضار، وهذه السكرات هي كربات وغمراتٌ حال الرحيل، وإنها لحقٌ، ولو نجى منها أحد أو سلم لنجى منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان في مرض موته صلى الله عليه وسلم يدخل يده في ركوة أو علبة فيها ماء ويغطس أنامله في الماء، ثم يمسح بها وجهه ويقول: (لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات) رواه البخاري، ولكن قبل الرحيل يفاجأ أقوامٌ بغصص، ويفاجأ أقوامٌ بمفاجئاتٍ عجيبة، ومفاجئاتٍ مهولة، وأقوامٌ يرون سعادة وسروراً.