[الصبر والمصابرة]
أما الصبر فهو سنة من عمل بها وجد النتيجة، الصبر حينما يعمل به اليهود يجدون النتيجة، الصبر حينما يتحلى به النصارى يجدون النتيجة، الصبر حينما يتحلى به البوذيون يجدون النتيجة، الصبر حينما يتحلى به القاديانيون والنصيريون والبريليون والبابويون، وكل أصحاب الطوائف الضالة، من صبر على بدعته، ومن صبر على باطله ومنكره، سيجد نتيجة، كذلك الحق من باب أولى، بل إن الله جل وعلا جعل من أسباب نوال الهداية الصبر، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:٢٤].
قبل أن أقول لك ما هي البداية، أريد أن تضع في قلبك أن مجتمعك فيه خير كثير، لا تنظر بعين واحدة إلى المجتمع، فلا تبصر فيه إلا السلبيات وتغض النظر عن الإيجابيات.
وقبل أن أقول لك ما هي البداية، كن كما هو قول الله جل وعلا: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} [الأنبياء:٤٧].
إن الله يأتي بحسنات العباد يوم القيامة وسيئاتهم، فأنت لا تنظر بعين واحدة، فتقول: في هذا الجانب فساد، وفي هذا الجانب اختلاط، وفي هذا الجانب رباً وتحلل، وتمتلئ عينك ويمتلئ دماغك وعقلك بأن ليس في مجتمعك إلا الشر والمنكر والباطل، والمصائب والآثام، فهذا أكبر باب لحصول الإحباط في نفسك، وهذا أكبر معول تحطم به رأسك قبل أن تخطو إلى الأمام خطوة واحدة.
أقول لك: يا أخي! لا بد أن تضع في حسبانك أن الصبر وسيلة، وأن تضع في حسبانك أنك في مجتمع فيه الخير والشر، وأن واقعك يختلف عن واقع كثير من البلدان، ومن هنا أعاتب إخواني وأحبابي الشباب، الذين بعضهم يقيس مثلاً أوضاع المجتمع هنا بأوضاع مصر، أو أوضاع سوريا أو تونس، يا أخي الكريم! إياك والتخليط، تاريخك يختلف عن تاريخه، ونشأتك تختلف عن نشأته، ومجتمعك يختلف عن مجتمعه، والأمة من حولك تختلف على الأمة من حوله، وأوضاعك تختلف عن أوضاعه، بل هناك فوارق كبيرة جداً جداً، حتى الفساق الذين في مجتمعنا قد يعتبرون في بعض المجتمعات الأخرى في خطوة لا بأس بها في طريق الهداية في نظر أولئك، وليس هذا مبرراً لبعض المخطئين، أو لبعض الواقعين في المعاصي أن يقولوا: الحمد لله، مثلما قال رجل في قديم الزمان، رجل من أهل نجد سافر البحرين، فوجد الناس في معاصٍ وفساد -قديماً وحديثاً، وجد الناس في معاصٍ وفساد- فلما رجع قال: إن شاء الله ستدخلون الجنة؛ لأن أولئك سيملئون النار؛ لأنه قاس مجتمعه بفساد أولئك فرأى أبناء مجتمعه متقدمين جداً في الإسلام، هذا الكلام لا يقال.
نحن لا نقول: اجعل نفسك مقياساً لغيرك، وبالمناسبة هذه حجة كثير من الشباب أو بعض الرجال حينما تدعوه إلى الله، يا أخي الكريم: تب إلى الله، أقلع عن الملاهي، أقلع عن ترك الصلاة مع الجماعة، أقلع عن العقوق، عن المحرمات، عن هذا العبث، عن المعاكسة، عن التساهل بالحجاب، يقول: يا أخي الكريم! احمد ربك فهناك ناس غيرنا لا يصلون بتاتاً، هناك ناس غيرنا يشربون الخمر ويزنون، ومتى كان يحتج بالخطأ على الخطأ؟ ومتى قبلت العقول أن يحتج إنسان بالمنكر على المنكر، هذا ليس بصحيح أبداً.
فأقول: أيها الأحبة! لا بد أن ننظر إلى مجتمعنا نظرة متزنة ومتعادلة، نظرة نجمع فيها الإيجابيات والسلبيات، خذ مثالاً بسيطاً: أنت في الحي يوجد عندكم مجموعة لا يصلون، اجعل من إيجابيات مجتمعك جماعة المسجد الذين يصلون، يوجد في الحي محل فيديو، في مقابله يوجد محل تسجيلات إسلامية، عندك في المجتمع مثلاً مكان فيه منكرات، في المقابل يوجد مدرسة تحفيظ قرآن.
إذاً: حينما تريد أن تعمل في المجتمع، حينما تريد أن تصلح مجتمعك، وتدعو إلى الله، اجعل الإيجابيات والسلبيات بين عينيك، وكيف تستثمر الإيجابيات في محاولة القضاء والتقليل على هذه السلبيات، والقضاء على هذه السلبيات والتقليل منها لا ينال في يوم وليلة.
يا أخي الكريم: لابد من الصبر، وهي سنة من سنن الله جل وعلا، الصبر فيه مجاهدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران:٢٠٠] هناك مفاعلة ومجاهدة واستمرار.
وتارة تجد أن الذين في الصف الثاني أو في الطرف المقابل من الذين لم يذوقوا حلاوة الإيمان، لا يزالون يجادلونك بالباطل ليدحضوا به الحق، إما انخداعاً أو شبهات دخلت، أو شهوات تمكنت في نفوسهم.
أقول: يا أخي الكريم! تحل بالصبر وبالمصابرة، ولن تذوق هداية الاستقامة، والهداية في مجتمعك إلا بالمجاهدة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩].