للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المسارعة في الخيرات]

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها الأحبة في الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أسأل الله عز وجل في مستهل هذا اللقاء أن يجعل قولنا واستماعنا وسعينا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجنبنا النفاق والرياء والسمعة، وألا يجعل للشيطان في أعمالنا حظاً ولا نصيباً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أحبتي في الله! الحديث عن الكنوز الضائعة حديثٌ يطول ولا يسعه مقامٌ قصير كهذا، ولكن حسبنا أن نشير إلى أن ثمة كنوزٍ نضيعها بأيدينا ونسعى في تلفها، ويا ليت ما ضاع منها يتدارك، لكن ما مضى منه مضى بظرفه وزمانه، ومن كان له حظٌ في الاستدراك قبل الفوات والاستعداد قبل الممات، فإنه إن أعين على ذلك بنية وعزمٍ صادق فلعل الله عز وجل أن ينيله خيراً فيما بقى من حياته.

إن الله سبحانه وتعالى وصف خيرة خلقه وهم أنبياؤه ورسله بقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء:٩٠] فالمسارعة والمسابقة والمبادرة والاغتنام من الأمور التي لا تكون إلا على شيء يضيع أو يفوت، إن شيئاً قد توفر وتجمع بكمياتٍ هائلة لا أظنك تقول لأخيك: اذهب فاغتنم حظك من هذا؛ لأنك تعلم أن الكثير الكثير من أجناسه وأنواعه باقية لا تنفذ، لكن ما فات وما يزول وما يتخطفه الناس فإنك تقول لصاحبك: بادر واغتنم وأسرع ولا تدع الفرصة تفوتك وانتهز ذلك، إنها غنيمة، والمحروم من حرم والخاسر من خسر في أمرٍ إذا مضى ربما كان فوته لا يستدرك أبداً، فما بالك بأعمال تضيع في أوقاتٍ لا يمكن أن نتداركها، بل لو اجتمع الإنس والجن وكان بعضهم لبعضٍ ظهيراً على أن يعيدوا لنا ساعة مضت قبل غروب شمس هذا اليوم لما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، فما بالك بما مضى من الأيام والسنين والأعوام وما فيها من خزائن، الله يعلم كم من حسرة سوف يبثها العباد إذا فتحوا خزائنهم يوم القيامة ليروا أنه قد مضى عليهم أوقاتٌ كثيرة وودعت خزائنها خالية فارغة ليس فيها من العمل الصالح شيء، قال الله سبحانه: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:١٤٨]، وقال عز شأنه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:١٣٣].

فيا عجباً كيف يدعونا ربنا إلى المسارعة؛ نسارع إلى المغفرة ونسارع إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ولماذا ندعى بخطاب المسارعة والمبادرة؟ الجواب واضح: لأن الآجال لا تدع أحداً ربما يحقق أو يطبق ما سوف أو وعد بفعله في المستقبل

صادفن منها غرة فأصبنها إن المنايا لا تطيش سهامها

يا نائم الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا