للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ستر الله على عبده]

الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها الأحبة الفضلاء، والإخوة النبلاء! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كل يوم لا نعصي الله فيه فهو يوم عيد، وكل يوم نتشرف بلقاء أحبة كرام بررة أمثالكم فهو يوم عيد، إني لشاكر لأخوي ما ذكراه في مقدمتيهما المباركة، مع أنني لا أستحق ما ذكره الأول جزاه الله كل خير مما أحسن به الظن، وأسأل الله أن يستجيب ما دعا به أيضاً.

ومن جمّله الله في الدنيا فإنما جمّله الله بالستر، وكما يقول ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر: يا أيها المسكين! إذا رأيت إعجاب الناس بك فاعلم أنما أعجبهم ستر الله عليك؛ لأن العبد إذا كشف الله للخلق كل مساوئه -حتى ولو سيئاته في تعامله مع أولاده وأهله- ربما نفر الخلق منه، ولكن الله سبحانه وتعالى ستير يحب الستر، ويستر على عباده ما يكون منهم، من هفوات أو غلطات أو رعونة أو غضب أو غير ذلك، فلا يرى الناس منا ظاهراً إلا أحسن ما زيننا الله به وهو الستر.

وما يكون بيننا في خاصة أحوالنا وبيوتنا وأولادنا -كل لا يخلو من عيب أو نقص، والكمال لله عز وجل- فذاك جميل لولا بخل فيه، وذاك طيب لولا غضب فيه، وذاك صالح لولا هفوة منه، وذاك وذاك إلى غيرك ذلك.

ومن ثم أحبتي في الله! من سمع ثناء على أحد، فليعلم أن هذا الذي أثُني عليه إنما استحق الثناء بسبب صفة من صفات الله، وهي صفة ستر الله على عباده، إن الله ستير يحب الستر، ولذلك ندب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى من ستره الله أن يمسك ستر الله عليه، وألا يهتك أستار الله عنه، فقال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون قيل: ومن المجاهر يا رسول الله؟ قال: من يمسي يعصي الله، فيصبح يهتك ستر الله عليه، يقول: فعلت البارحة كذا وكذا).

ومن دلائل هذه الصفة، أن الله ستير يحب الستر: أن الأشعة المقطعية والتحاليل المجهرية والمخبرية لا تستطيع أن تكشف الشخص هل هو بخيل، أم كاذب، أم صادق، أم مخلص، أم منافق، أم جاد، أم هازل، أم غير ذلك؟ أنت تستطيع أن تجد هذا الشخص، وتأخذ عينات من دمه، وعينات من عظمه ولحمه، وتجعل جسمه بالكامل تحت ما يسمى بالكات اسكان -الأشعة المقطعية- ومع ذلك لا تستطيع أن تحكم بعد هذه التحاليل أن تقول: أظهرت التحاليل أن فلاناً بخيل، أو أن فلاناً كريم، أو أن فلاناً سريع الغضب، أو لين العريكة، أو جميل التواضع، أو حسن الخلق، أو نبيل المعاملة، هذا شيء تعلمونه تماماً.

فأسأل الله أن يتم علينا وعليكم ستره، وأسأل الله أن يثبتنا وإياكم على طاعته، وأن يصلح أحوالنا جميعاً، وما أحوجنا إلى سؤال الله الثبات، فإن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء.

وما سمي الإنسان إلا لنسيه وما القلب إلا لأنه يتقلب

أحبتنا في الله: بعد شكري لإدارة هذا المعهد، ولإخوتي الأساتذة الفضلاء، وأولياء الأمور، وأخص صديقي وحبيبي في الله الأستاذ/ سعود بن ناصر السياري صديق الصبا على ما أكرمني به من هذه الدعوة شاكراً ومقدراً حسن ظن الجميع بي.