للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سلامة صدور أهل الجنة]

أوليس الله جل وعلا قد قال في محكم كتابه في وصف عباده المؤمنين أهل الجنة: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:٤٧] قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي: نزعنا من صدورهم كل حسد وبُغض، كما جاء في صحيح البخاري من حديث قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خلص المؤمنون من النار حُبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفسي بيده إن أحدهم بمنزله في الجنة أدل وأهدى منه بمسكنه من أحدكم في الدنيا).

هذه صفات أهل الجنة أن لا غل ولا حقد ولا حسد ولا ضغينة ولا كراهة ولا سوء ظن ولا إحن ولا تباغض في قلوبهم، بل قال جل وعلا: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:٤٧].

دخل عمران بن طلحة على علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعدما فرغ علي بن أبي طالب من أصحاب الجمل بعد فتنة فيها ما تعلمونه، وما يسعنا أمامه إلا أن نكف ألسنتنا، وأن نترضى عن جميع الصحابة رضوان الله عليهم، وألا نلغِ بالقول والكلام في عرض أحدٍ من الصحابة الذين اختارهم الله جل وعلا لصحبة نبيه وفضلهم بالصحبة، وقال صلى الله عليه وسلم: (فإن أحدكم لو أنفق مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).

بعد معركة الجمل دخل عمران بن طلحة على علي رضي الله عنه، فرحب به علي وقال: [إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:٤٧]] انظروا ما أجمل سلامة الصدر بين الصحابة حتى وإن كان ما كان فيما مضى فكلٌ يعرف صدر صاحبه، وكلٌ يعرف سلامة قلب صاحبه.

ودُخل ذات يوم على أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلل كأنه الذهب فقال له: يا أبا دجانة، ما بال وجهك يتهلل؟ قال: [والله ما عملت عملاً أوثق عندي من خصلتين اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وأما الخصلة الأخرى: فقد كان قلبي على المسلمين سليماً].

إن من سمات المسلمين صفاء النفس من الغش والحسد والغدر والضغينة، ثم لماذا الحسد؟ ولماذا الضغينة؟ إن القلوب زجاجات بلورية شفافة لامعة جميلة طاهرة طيبة، فلماذا نقذرها؟ أو نجعلها وسخة بهذه الأضغان والأحقاد وبسوء الظن مما يدفعنا إلى القيل والقال، ومن ثم تتشوه تلك القلوب الصافية وتعود شائبة بعد صفائها، كدرة بعد نقائها، خبيثة بعد طهارتها، سيئة بعد حسنها، فاسدة بعد صلاحها؟