للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شبهة أخرى في تقسيم الشريعة والرد عليها]

يا معشر الأحباب! هناك شبهةٌ يرددها أولئك الذين يقسمون أمور الشريعة، ويجعلون ذلك ذريعةً إلى التهاون بها، ألا وإن تلكم الشبهة هي: أنهم يقولون: إن هناك أموراً مهمة، وأموراً أهم منها، هناك أمرٌ عظيم، وهناك أمرٌ أعظم، ولكن هذا لا يعني أن نترك التمسك بكل صغيرٍ وكبيرٍ من أحكام الشريعة، والقول: بأن هناك مهمٌ وما هو أهم، إنما هو في مجال الإصلاح والتغيير والدعوة، فإذا كنت في مجال الدعوة إلى الله وقابلت رجلاً تاركاً للصلاة، حليقاً، شارباً للدخان، فإن أول أمرٍ ينبغي أن تتوجه إليه، وأن تناصحه فيه، ألا وهو أمر ترك الصلاة، فإذا استقام على ذلك؛ سيصلح حاله، أو أنت تدعوه إلى ما هو بعد ذلك رويداً رويداً.

إن هذا الأمر -وهو تقسيم أمور الشريعة في مهمٍ وأهم- إنما هو في جانب الدعوة والإصلاح، أما جانب الالتزام، وجانب العمل بالشريعة، فينبغي لكل مسلمٍ أن يتمسك بكل صغيرٍ وكبيرٍ منها، وينبغي لمن كان في مقام الدعوة أن ينبه على الأهم فالأهم، وهذا أمرٌ لا شك في أهميته؛ لأن من وقع في الربا وترك الصلاة، وشرب الخمر، وفعل أموراً دونها؛ فينبغي أن يوجه أولاً إلى الصلاة مع المسلمين، ثم إلى ترك الربا وترك شرب الخمر، وبعد ذلك إلى بقايا الأمور التي لوحظت عليه، أما أن يقول شخص: إن هذا من القشور، وإن هذا من اللباب، وما كان من القشور فليس بمهم، فإن هذا يدعو الإنسان إلى الوقوع في الكبائر رويداً رويداً.

نسأل الله جل وعلا أن يقينا شر ذلك، ونسأله جل وعلا أن يجعلنا من المؤمنين المتمسكين بكتابه وسنة نبيه.

خلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى

لا تقولن: هذه صغيرة وهذه كبيرة.

خلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى

واصنع كماشٍ فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:٥١].

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، الذين يضللون عقول شباب المسلمين، ويدعونهم إلى ترك التمسك بدينهم، بحجة أن هذه أمور صغيرة، وهذه أمور مهمة، وهذه أمور ليست بذات أهمية.

اللهم من أراد بعلمائنا مكيدة، وأراد بولاة أمورنا فتنة، وأراد بشبابنا ضلالاً، وأراد بنسائنا تبرجاً وسفوراً، اللهم فاجعل كيده في نحره، اللهم فاجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم أذهب سمعه وعقله وبصره، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم شتت شمله، اللهم امحق بركته، اللهم لا تبق أحداً ممن أراد بنا سوءاً، وأحصهم عدداً، وأهلكهم بدداً، فإنك جبار السماوات والأرض لا يعجزونك وأنت على كل شيءٍ قدير.

اللهم اختم بشهادة أن لا إله إلا الله آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا، ولا تجعل إلى النار منقلبنا ومثوانا.

اللهم اجعل لنا من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، ومن كل فاحشةٍ أمناً، ومن كل فتنةٍ عصماً.

اللهم لا تدع لنا في هذا المقام الكريم الطيب المبارك ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره.

اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمد وعبادك الصالحون، اللهم ما سألناك فأعطنا، وما لم نسألك فابتدأنا، اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.

اللهم اجعل ميتتنا على شهادة الإخلاص، اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، اللهم اجعل ختامنا من هذه الدنيا، وفراقنا عنها، وما فيها من الأحباب والأصحاب، اللهم اجعل فراقنا منها غير خزايا ولا مفتونين، غير ظالمين أو مظلومين، وما ظلمنا أحداً من خلقك بمظلمةٍ في مالٍ أو عرضٍ أو قليل أو كثير برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم تربص بنا إذا جاوزنا، اللهم تلطف بنا إذا احتضرنا، اللهم كن لنا ولا تكن علينا، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، اللهم ارفعنا ولا تخذلنا، اللهم لا تعاقبنا بذنوبنا ولا تعذبنا بما فعل السفهاء منا، برحمتك يا رحمان يا رحيم، يا قيوم السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام.

إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر نبيك محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.