للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بعض الدروس المستفادة من قصة يوسف]

الحمد لله الواحد بلا شريك، القوي العزيز بلا نصير، والعليم بلا ظهير، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.

معاشر المؤمنين: لا شك أن هذه السورة العظيمة والقصص الكريم الذي أوحاه الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قد احتوى جملةً من الدروس والعظات والعبر والفوائد التي لا يحصيها إلا الله سبحانه وتعالى، وإن تعرضنا لشيء منها فما أوتينا من العلم إلا قليلاً.

لقد اشتمل هذا الطرف الذي ذكرناه في آخر قصة يوسف على جملة من الدروس من أهمها: أنه لا بأس أن يخبر الإنسان عما في نفسه من الصفات الكاملة من العلم وغيره إذا كان في ذلك مصلحة، وسلم من الكذب، ولم يقصد به الرياء، لقول يوسف عليه السلام: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:٥٥].

- ومن الفوائد أيضاً: أن الولاية لا تذم إذا كان المتولي لها يقوم بما يقدر عليه من إقامة الشرع وإيصال الحقوق إلى أهلها، ولا بأس بطلب الولاية إذا علم الإنسان أنه أهل لها، وأعظم كفاءة من غيره.

- ومنها: أن جباية الأرزاق إذا أريد بها التوسعة على الناس من غير ضرر يلحق بهم فلا بأس بذلك، لأن يوسف أمرهم بجباية الأرزاق والأطعمة في السنين المخصبات للاستعداد به للسنين المجدبات، وقد حصل بذلك خير عظيم.

- ومنها: أن سوء الظن مع وجود القرائن الدالة عليه غير ممنوع ولا محرم، فإن يعقوب قال لأولاده: (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: ٦٤] وقال: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً} [يوسف:١٨].

- ومنها: أن استعمال الأسباب الدافعة للعين وغيرها من المكاره، أو الرافعة لها بعد نزولها غير ممنوع، وإن كان لا يقع شيء إلا بقضاء الله وقدره، والأسباب من القضاء والقدر، وذلك من قول يعقوب: {يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} [يوسف: ٦٧].

- ومنها: أنه ينبغي لمن أراد أن يوهم غيره بأمر لا يحب بيانه أن يستعمل المعاريض القولية والفعلية المانعة له من الكذب، كما فعل يوسف حينما ألقى الصواع في رحل أخيه، ثم استخرجها منه ليوهم أنه سارق، وليس في ذلك تصريح بالسرقة، وإنما استعمل المعاريض، ومثل هذا قوله: {مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} [يوسف:٧٩] ولم يقل: سرق متاعنا.

ومنها: أنه لا يجوز للمسلم أن يشهد إلا بما علمه وتحققه برؤية، أو سماع لقولهم: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف:٨١].

ومنها: أن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر، وذلك في قول يعقوب لما اشتد عليه ألم فراق يوسف، وتلاه فراق بنيامين، وابيضت عيناه من الحزن، فقال: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف:٨٦].

ومنها: أن قرب الفرج مع شدة الكرب، فإنه لما تراكمت الشدائد، وتنوعت المصائب على يعقوب، رجع إلى فارج الهم كاشف الغم مجيب دعوة المضطرين، وهذه عوائده الجميلة خصوصاً لأوليائه وأصفيائه ليكون لذلك الوقع الأكبر والمحل الأعظم، وليجعل من المعرفة بالله والمحبة له ما يعادل ويرجح بما جرى على العبد بلا نسبة.

ومنها: جواز إخبار العبد بما يجد، وما هو فيه من فقر أو مرض، أو غيرهما على غير وجه التسخط، لقول يعقوب: ((يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ)) [يوسف: ٨٤] وقول إخوة يوسف: {مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} [يوسف:٨٨].

ومنها: فضيلة التقوى والصبر، وأن كل خير في الدنيا والآخرة من آثار التقوى والصبر، وأن عاقبة المتقين أحسن العواقب لقوله تعالى: {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:٩٠].

ومنها: أنه ينبغي للعبد أن يلح دائماً على ربه في تثبيت إيمانه، وأن يحسن له الخاتمة لقول يوسف وهو نبي كريم: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:١٠١].

ومنها: ما ورد في هذه السورة من الأصل الدال على مشروعية الجعالة والكفالة في قول يوسف: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف:٧٢] فهذه هي الجعالة، وقوله: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:٧٢] فهذا دليل على مشروعية الكفالة.

معاشر المؤمنين: كتاب الله جل وعلا مليء بالفوائد والآيات والعظات والعبر، ولكننا نخشى أن نكون قد وقع فينا قول الله سبحانه وتعالى على لسان النبي: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:٣٠].

إن كتاب الله جل وعلا لمليء بالآيات والعظات والعبر:

وإن كتاب الله أوثق شافع وأغنى غناءٍ واسعاً متفضلاً

إن كتاب الله جل وعلا فيه دواء القلوب، وفيه دواء الأمراض، وفيه الفوائد، وفيه كل شيء من القصص التي ذكرها الله لنبيه، ذكرها لكي يطيب نفسه، وذكرها لكي يهون عليه ما رآه من قومه حينما يذكر قصص الأقوام السالفين مع أنبيائهم، وما يلقى النبي من إخوانه، وما يلقى النبي من أقرب الأقربين إليه، يكون في ذلك شيء عظيم في تطييب نفس النبي صلى الله عليه وسلم، وتهوين ما يلقاه من قومه.

أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم لكتاب الله من التالين المتدبرين، وأن يجعلنا في فوائده ودروسه من المستفيدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أرد بولاة أمرنا فتنة، وأراد بعلمائنا مكيدة، وأراد بشباب المسلمين سوءاً، وأراد نساءهم باختلاط أو تبرج أو سفور، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميره، اللهم أدر عليه دائرة السوء.

اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم احفظ إمام المسلمين، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم ارزقه بطانة صالحة، وجنبه بطانة السوء، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه، اللهم قرب لهم من علمت فيه خيراً لهم، وأبعد عنهم من علمت فيه شراً لهم ولأمتهم.

اللهم توفنا على الإسلام شهداء، وأحينا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم إنا نسألك توبة وإنابة قبل الموت، وراحة وشهادة للوحدانية عند الموت، ولذة ونعيماً في القبور بعد الموت.

اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا غائباً إلا رددته، ولا باغياً إلا قطعته برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اجعلنا من عبادك المحسنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، اللهم اجعلنا على حوض نبينا واردين، ولكأسه من الشاربين، وعلى الصراط من العابرين، اللهم بيض وجوهنا يوم تسود وجوه الكفرة والمجرمين.

اللهم أدخلنا الجنة بسلام آمنين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، اللهم اغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.

اللهم يا عظيم السماوات والأرض! اللهم يا جبار السماوات والأرض! اللهم إنا نسألك أن ترينا عجائب قدرتك في الشعوبيين الفرس، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أحصهم عدداً، وأهلكهم بدداً، ولا تبق فيهم أحداً، اللهم اجزهم شر ما تجزي به طاغياً في طغيانه، ومتكبراً في كبره، وفاسقاً في فسقه، ومجرماً في إجرامه، وطاغوتاً في طغيانه بقوتك وقدرتك يا قيوم السماء والأرض! فإنهم لا يؤمنون بكتابك، ويسبون صحابة نبيك، ويخونون ملائكتك المطهرين، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم عجل زوالهم، اللهم عجل زوالهم، اللهم عجل زوالهم، اللهم أشعل الفتنة بينهم، اللهم أهلك بعضهم ببعض، اللهم اهلك الظالمين بالظالمين، وأخرج أمة محمد من بينهم سالمين، اللهم عجل زوالهم، ربنا إنك لا يعجزك شيء، ربنا يا من أمرك بين الكاف والنون، اللهم إنهم لا يرون لمسلم حرمة، ولا يرون لمسلم ذمة، ولا يرون لكتابك قدراً، اللهم عجل زوالهم، اللهم عجل زوالهم، اللهم عجل هلكتهم، اللهم أرنا هلكتهم على رءوس الخلائق بقدرتك يا جبار السماوات والأرض! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].

اللهم صلِّ وسلم على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعو