للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[غناء الحور العين في الجنة]

ثم نداءٌ إلى أهل الطرب الذين يحبون الطرب ويحبون أن يلذذوا الأسماع، ويحركوا الأشجان، لا تبيعوا طرباً في الجنة بطربٍ على أعوادٍ واجتماعٍ على المعصية، وصورٍ محرمة، ومقابلاتٍ خبيثة، ومجالس سيئة، وروائح نتنة، في الجنة غناء جميل أخبر صلى الله عليه وسلم أن الحور العين في الجنان يغنين أغاني جميلة، أغاني حلوة بأصواتٍ جميلة عذبة ففي معجم الطبراني الأوسط بإسنادٍ صحيح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصواتٍ ما سمعها أحدٌ قط وإن مما يغنينه: نحن الخيرات الحسان، أزواج قوم كرام، ينظرن بقرة أعيان) وإن مما يغنين به أيضاً: نحن الخالدات فلا يمتن، ونحن الآمنات فلا يخفن، ونحن المقيمات فلا يظعن قال ابن القيم في هذا المقام في الكافية الشافية:

قال ابن عباسٍ ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصانِ

فتثيرُ أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان بالنغمات بالأوزان

يا لذة الأسماع لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان

أو ما سمعت سماعهم فيها غناء الحور بالأصوات والألحانِ

واهً لذياك السماع فإنه ملئت به الأذنان بالإحسانِ

واهً لذياك السماع وطيبه من مثل أقمارٍ على أغصانِ

واهً لذياك السماع فكم به للقلب من طربٍ ومن أشجانِ

واهً لذياك السماع ولم أقل ذياك تصغيراً له بلسانِ

ما ظن سامعه بصوتٍ أطيب الأصوات من حور الجنان حسانِ

نحن النواعم والخوالد خيرات كاملات الحسن والإحسانِ

لسنا نموت ولا نخاف وما لنا سخطٌ ولا ظغنٌ من الأضغانِ

طوبى لمن كنا له وكذاك طوبى للذي هو حظنا لفظانِ

ثم يقول ابن القيم ينادي أولئك الذين أشغلوا أو ضيعوا وفوتوا نعمة ذلك السماع والغناء اللذيذ في الجنة بأغاني المطربين والتافهين والساقطين والمهرجين والممثلين الماجنين وغيرهم يقول:

نزه سماعك إن أردت سماع ذياك الغنى عن هذه الألحانِ

لا تؤثر الأدنى على الأعلى فتحرم ذا وذا يا ذلة الحرمانِ

إن اختيارك للسماع النازل الأدنى على الأعلى من النقصانِ

والله إن سماعهم في القلب والإ يمان مثل السم في الأبدانِ

والله ما انفك الذي هو دأبه أبداًَ من الإشراك بالرحمنِ

فالقلب بيتُ الرب جل جلاله حباً وإخلاصاً مع الإحسانِ

فإذا تعلق بالسماع أصاره عبداً لكل فلانة وفلانِ

وهذا والله صحيح الذين يسمعون الأغاني وهي ذكرهم -والعياذ بالله- بكرة وعشياً بعضهم يسمع الكلام عن الجنة فلا تدمع عينه شوقاً، ويسمع الآيات عن النار فلا يضطرب قلبه وجلاً وخوفاً، ثم يسمع صوتاً كأنه صوت البوم كأنه صوت الغربان، كأنه صوت الشياطين ولو صدر من بشر، ثم تجده يطرق ويبكي ويتكسر من هذا الغناء الدنيوي الساقط ويبيع حظه من الأخروي قال:

فإذا تعلق بالسماع أصاره عبداً لكل فلانة وفلانِ

حب الكتاب وحب ألحان الغنا في قلب عبدٍ ليس يجتمعانِ

ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقييده بشرائع الإيمانِ

واللهو خف عليهم لما رأوا ما فيه من طربٍ ومن ألحانِ

قوت النفوس وإنما القرآن قوت القلب أنى يستوي القوتانِ

ولذا تراه يحظ في النقصان كالجهال والصبيان والنسوانِ

يقول: هذه الأغاني التي يسمعها أهل الدنيا هي حظ أهل النقصان

وألذهم فيه أقلهم من العقل الصحيح فسل أخا العرفانِ

يا لذة الفساق لست كلذة الأبرار في عقلٍ ولا قرآنِ