للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قيامها على مبدأ الاشتراكية]

ومن أركان البعث أيها الأحبة: الاشتراكية، فما هي الاشتراكية؟ لا يمكن أن يوجد رجلٌ محدود الدخل بجوار رجلٍ غني ثري، ولو كان ذلك المحدود نواماً عاطلاً باطلاً كسولاً، وذلك الثري حركاً نشيطاً جواباً متنقلاً، لا يمكن أن يستوي هذا مع هذا في الدخل.

إن أول ما جاء به أرباب الشيوعية بأفكارهم كـ كارل ماركس، وفردريك إنجلز، ولينين، واستالين وغيرهم، لما قرروا هذه النظرية الشيوعية طبقوها في الاتحاد السوفيتي، قالوا: لا بد أن نأخذ من كل واحد طاقته، وأن نعطي كل واحدٍ حاجته، وما فاض نرده إلى خزينة الدولة فنقسمه على احتياجات الشعب، وإن أغنى فئة وملة وطائفة وفرقة الحزب الحاكم في الاتحاد السوفيتي الذين ينادون بـ الاشتراكية، يملكون قصوراً باللَّونية من أولها إلى آخرها، الذين ينادون بـ الاشتراكية ألا يكون أحد إلا وهو متساو مع غيره، وألا يتفاضل أحد على أحد أبداً.

ما الذي حصل؟ جاءوا لتطبيق هذه النظرية فدخل العمال، وتسمى ثورة العمال وغيرها في المصانع، فإذ بالعامل النحيل الهزيل الضعيف، لكنه قويٌ في العمل، ضعيف في البنية، قليل الشهية، جادٌ في العمل ينتج في المصنع ما يساوي عشرة كراسي أو أكثر من ذلك في يومٍ واحد، ويأتي العامل البدين السمين، الذي يأكل شيئاً كثيراً لا ينتج إلا كرسياً واحداً، فهذا أخذ جهد يومه، وهذا أخذ جهد يومه، هذا إنتاجه عشرة كراسي، وهذا إنتاجه كرسي واحد، وأعطي هذا فقط حاجته، وأعطي هذا فقط حاجته، فضلوا في ذلك ضلالاً بعيداً، وأوشكت مصانعهم بالخراب، قالوا: لا بد أن ندخل نظام الحوافز، هذا ما ينادي به البعث الآن، يريدون أن يجعلوا أفراد الأمة كلهم خدماً للخزينة العامة، يعملون كلهم ويعود ريع أعمالهم إلى الخزينة، وماذا بعد ذلك؟ يعطى كل واحدٍ منهم حاجته، سواء صرحوا بهذا الآن أم كان مما تدل عليه أفكارهم.

ولذلك نطقوا وأنطقهم الله الذي أنطق كل شيء، ماذا قالوا؟ قالوا: الكويت صغيرةٍ غنية، والعراق كبيرة فقيرة، فلا بد أن نقتسم المال معهم، وسيأتي يومٌ يقولون: السعودية متوسطةٌ أو كبيرةٌ ثرية فلا بد أن نتقاسم معهم الأموال، ثم يأتون إلى بقية دول الخليج بحجة دعوى الاشتراكية.

إن العراق ليس فقيراً، ليس مسكيناً أو ضعيفاً، ولكن الفقر والمسكنة والضعف أصابه يوم أن صرفت أمواله على العدوان والحروب والعداوات مع البشر، ثمان سنوات استهلكوا دخل البلاد ودخل من جاورها معه أيضاً، في حربٍ مع الإيرانيين، من الذي سلب خيرات البلاد؟ إنها القيادة الغاشمة الغوغائية التي سلبت ثوب العاري، وطعام المسكين، وشراب الفقير، وحليب الرضيع، وطعام الكهل والعجوز، صرفت كل هذا لمقاتلة إيران، وماذا بعد ذلك؟ هل قاتلوهم لإعلاء كلمة الله؟ أو للاإله إلا الله؟ لا والله.

ثمان أو تسع سنوات مضت وفي النهاية أعجب بالنصر؛ قتال ينتهي بخضوع القادة المنتصرين، ظن أن العراق خرجت منتصرة على إيران، وإذ بها تقدم أرضاً كلها مخضبة بدماء أبناء العراق وشبابها ورجالها، تقدم أرضاً مليئة بجثث العراقيين، تقدم أرضاً مليئةً بأفئدتهم وجراحاتهم وأشلائهم وتقول لـ إيران من جديد: تفضلي هذه الأرض وفيها منبعان من منابع النفط الكبيرة.

أي أمرٍ يحدث في هذا الكون؟!! إن الشعوب هي المسكينة التي تتقلب في أحوال الجوع والضعف، والهلع والخوف تحت رحمة هؤلاء القادة.

ورحم الله الشيخ/ عبد الله بن حميد يوم أن كان في مقابلة مع الملك فيصل رحمه الله رحمةً واسعة وأسكنه فسيح جناته، بعيني رأيتهم في فيلمٍ مصور وهو يحرك لحيته ويلتفت إلى الملك فيصل رحمه الله ويقول: الشعوب فيها خيرٌ كثير، لكن الفساد في القادة، فقال فيصل رحمه الله: صدقت! الفساد في القادة.

نعم.

إن الشعوب هي المسكينة التي يصرف لباسها وكساؤها، وطعامها وشرابها في العداوات، وتبقى جائعة مريضة؛ لا دواء ولا طعام، ولا سكن ولا شراب؛ لكي يصرف على هذا العدوان، ومن هنا احتاجت الأمة إلى صمام الأمان؛ وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى لا يتسلط أحد على رقاب أحد.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.