للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اليأس من واقع الأمة عند الشباب]

إن التائب يظهر التقوى، ولا يرضى القضاء، تجد بعض الشباب يستقيم ثم فجأة يريد أن يصلح الكرة الأرضية ابتداءً بـ جزر هاواي وانتهاءً إلى مكة؛ لأن طرف الكرة الأرضية: جزر هاواي في المحيط، والطرف المقابل: مكة المكرمة، ونبدأ بـ مكة أكرم نقول: مكة طرف وجزر هاواي ثانٍ، فيريد أن يصلح الكرة كلها بين عشية وضحاها، ثم يقول: لا يمكن أن تصلح الناس تصلح، وجهود الأعداء والكفار والقنوات الفضائية والخلاعة في الإنترنت وو إلى آخره، كيف نستطيع أن نصلح الناس؟! لا يا أخي الحبيب: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا} [النساء:٩٤] في أيام كنت وأنت غير مستقيم بل كنت من قادات الضلالة، بل كان البعض لا يطمع في استقامتك فانظر كيف مَنَّ الله عليك بالهداية! إن الله قادر -وهو الذي هداك- أن يهدي غيرك، ولا تستبعدنَّ على ضال هداية، ولا تأمننَّ على مهتدٍ ضلالة، قد تجد خطيباً يبكي في المنبر فيكتب الله عليه أن ينحرف، نسأل الله السلامة، ونسأل الله الإخلاص، وسداد القول وإخلاص العمل، والإنسان لا يدري.

يقول أحد السلف: لا تعجب بثناء الناس، فإن الله ينصر الدين بالرجل الفاجر.

وقد قال الله في المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:٤].

لا تغتر بنفسك -يا مسكين- أياً كان موقعك، لا تدري بِمَ يُختم لك، فالإنسان على خطر وعلى مخافة.

الشاهد: لا تستبعدنَّ على ضال هداية، قد تجد واحداً مجرماً في زنزانة انفرادية من أجل مخدرات، فيخرج فيهديه الله وينفع به خلقاً عظيماً، وقد تجد إنساناً ربما يشار إليه بالبنان فيكتب الله عليه انحرافاً ولا حول ولا قوة إلا بالله! يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك.

وفي الحديث: (إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وإن القلوب أشد تقلباً من القدر في غليانها) فمن الذي يأمن على نفسه؟! لذا أقول لهذا الشاب: خذ نفسك بالهدوء وبالطمأنينة وبطول النَّفَس، وإياك واليأس والقنوط، وقد يأتيك الشيطان عند أدنى هفوة أو أدنى زلة ويقول: من الآن جادة الطريق طويلة فلن تستطيع أن تستمر، فأرح نفسك من اليوم قبل أن تنحرف بعد سنتين، كما قالوا: (طيِّنها وعطِّنها من الحين)، من أول شهر أو ثاني شهر، لا.

لئن أغواك جليس سوء أو قادتك محنة، أو وقعت بك رِجْل في زلة فعليك أن تبادرها بالتوبة كما قال تعالى: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:١١٤].

الصحابة الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم أخطاء ما قال: لا أرى وجهك، كفى.

انتهت قضيتك، اخرج من الصحوة، واخرج من الدعوة، واخرج من الصحابة، لا.

بل أمره بالتوبة والإنابة والرجوع إلى الله سبحانه تعالى، والإكثار من الصالحات والحسنات الماحية للسيئات، هذه من أهم الأمور يا أحبابي، أما أن يريد الإنسان أن يهتدي الكون في لحظة، لو سأل نفسه: ما هو المشوار الذي قطعه حتى يهتدي، إن تجد أخاك في الله جزاه الله خيراً أهدى لك، ثم زارك، ثم سافر بك، ثم حج معك، ثم اعتمر، ثم ثم ورويداً رويداً حتى مكن الله الهداية في قلبك، وقد كنت من قبل تتأذى منك البهائم قبل البشر، فكذلك أعطِ الناس فرصة، المشوار والفرصة التي مررت بها حتى بلغت الهداية أعطِها الآخرين حتى يهتدوا، أما أن تقول: الدنيا خربة ضائعة ما فيها صالح، الدعوة فالتة، لا يمكن أن يهتدي أحد، ثم تذهب وتجلس في شِعبٍ من الشعاب أو جبل من الجبال وتقول: لم يعد في الناس خير، انظر إلى نفسك كيف منَّ الله عليك بالهداية، وأعطِ الناس نفس الفرصة لتجد أن الله سبحانه وتعالى سوف يهديهم.

أقول هذا الكلام لأني وجدت بعض الشباب بين اثنين: إما أنه يئس من صلاح الناس فاعتزل وأصبح كما قلتُ حملاً وديعاً وظبياً جهولاً، ما عاد يريد أن يرفع طرفه عن الأرض أبداً، تقول له: يا أخي! مُرْ بالمعروف وانْهَ عن المنكر وادعُ إلى الله يقول: يا أخي! ضائعة، فقط، دع المهدي ينزل، دع المهدي ينزل، دع الريح التي تهب وتقبض أرواح المؤمنين وتريحنا من هذا الفساد كله، متى يطلع الدجال ويذبحه عيسى بن مريم وننتهي من القضية؟ لا.

بل لا بد أن تصبر: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران:١٢٠] هذا شخص هذا حاله.