للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة في صيام عاشوراء]

معاشر المؤمنين: هذا اليوم العظيم الذي وقع فيه ذلك الحدث في اليوم العاشر من شهر محرم، وهو يوم عاشوراء، قد صامه موسى شكراً لله عز وجل، ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وجد اليهود يصومونه، فقال لهم: (ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله، فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بموسى وأولى بموسى منكم فصامه صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه) رواه البخاري ومسلم.

ويستحب صيام يوم قبله، أو بعده لما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صام عاشوراء، قيل له: إن اليهود والنصارى يعظمون هذا اليوم، فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا كان العام المقبل، صمنا اليوم العاشر والتاسع إن شاء الله)، وفي مسند أحمد رضي الله عنه وأرضاه: (صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، صوموا يوماً قبله، أو يوماً بعده).

وصيام هذا اليوم بساعاته القليلة، بلحظاته المحدودة فيه أجر عظيم، فلقد روى الإمام مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: (يكفر السنة الماضية) فمن يبخل على نفسه بتبييض صفحاته، وتبييض صحائف أعماله؟ من يبخل على نفسه أن يعود سجل أعماله أبيض باستهلال عام جديد، وبداية عام مشرق، أن يكون بذلك اليوم الذي يصومه قد كفر صغائر الذنوب والسيئات التي اقترفها في العام الماضي، وليعلم العباد أن صيام يوم عاشوراء يكفر الصغائر من الذنوب، أما الكبائر- مع فضل الله وسعة رحمته- فإنها تحتاج إلى توبة.

عباد الله: لو تأملنا يوم عاشوراء، لوجدنا الناس على مذاهب شتى فيه، أما الرافضة -عليهم من الله ما يستحقون- فهم يقضون ليلته ضرباً في أبدانهم، وجلداً بالسياط على أنفسهم، ما هذا الذي يفعلونه؟! وأي شريعة شرعت لهم ذلك؟ إنما هو من ذوات أنفسهم، فهم يتقربون إلى الله بغير ما شرع، فإن ذلك مردود عليهم، وإن كانوا يعدونه عملاً صالحاً، فسيجدونه هباءً منثوراً.

عجباً لأولئك الذين يبكون ويتباكون، يضربون أنفسهم لمقتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، ورضي الله عن صحابة نبيه أجمعين، يقول أحد الصحابة: [عجباً لكم يا أهل العراق تقتلون الحسين، وتبكون ليلة قتله!] وجاء إلى ابن عمر رجل يسأله عن دم البعوضة إذا وقع على الثوب هل ينجسه، قال: ويحكم ألا ينجسكم دم الحسين وتسألون عن دم البعوضة ونجاسته.

إن أولئك الذين يعظمون هذا اليوم بأمور لم يشرعها الله، ولم يسنها رسوله صلى الله عليه وسلم إنما هم في ضلال ووبال عظيم، فالحمد لله الذي هدانا وقد ضل كثيرٌ من العالمين، واليهود وغيرهم فيمن يتمسك منهم قد يعظمون هذا اليوم، ولكن هذا اليوم بدليله وببقائه وثباته لدليل وشاهد على تكذيبهم وتحريفهم، إذ أن الشرائع جاءت بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فلِمَ لا يؤمنون؟ وإذا كانوا يقولون إنهم على دين موسى، فدين موسى هو اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وجد في يد عمر بن الخطاب قطعة من التوراة مكتوباً في ورق، غضب وقال: (والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي) فيا عجباً من أولئك المصرين على العناد والإلحاد، فالحمد لله الذي فضلنا على كثيرٍ من خلقه تفضيلاً، وهدانا إلى أمورٍ ضل عنها كثيرٌ من العالمين.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.