للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ماذا بعد المعصية]

ماذا بعد المعصية؟ ألذةٌ دائمةٌ؟ لا والله.

بل ألم المعصية يخالط القلب، ويشغل البال، ويقلق الضمير - كما قال الحسن البصري رحمه الله-: [إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين إلا أن ذل المعصية لا يفارق وجوههم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه].

فيا عباد الله: المجاهدة سبيل إلى الهداية، وليست التوبة سلعة تباع في المتاجر فنشتريها، أو قميصاً نلبسه، أو دابة نركبها، التوبة والهداية ثمرة للمجاهدة، جاهد نفسك بالبديل، إذا جاهدك الشيطان على سماع اللهو والغناء، فجاهد نفسك على سماع كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وسماع المحاضرات والخطب والفتاوى وحلق الذكر، تأمل كلاماً سماعه يرفعك عند الله درجات وينجيك من الدركات، وابتعد عن كلام يجعلك مع الضالين الظالمين، حتى إن بعض الناس قد بلغت به الغفلة واستحكمت فيه الشهوة وبلغ به العناد إلى درجة أنه أصبح يحب أهل المعصية وأهل اللهو وأهل الغناء، أكثر من محبته لله ولرسوله، ولأهل الله وأهل رسوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [البقرة:١٦٥] العاقبة في الآخرة: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا} [البقرة:١٦٥ - ١٦٦] أصحاب الشلات ومجالس الغفلات واللهو والباطل يتبرءون من الذين قادوهم إلى ذلك: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} [البقرة:١٦٦ - ١٦٧] لو أن لنا رجعة، لو أن لنا عودة إلى الدنيا: {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:١٦٧].

اسألوا أنفسكم -يا عباد الله- كم مجلساً من مجالس اللهو حضرناه؟ وكم مجلساً من مجالس الغفلة أقمناه؟ وكم مجلساً من مجالس الباطل غشيناه؟ وكم لحظة عن الذكر غفلنا فيها؟ ما أكثرها! سنراها يوم القيامة، سنراها في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، سنراها في مقام توضع فيه الموازين بالقسط، فلا تظلم نفسٌ شيئاً، يقول الله جل وعلا: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} [الأنبياء:٤٧] يا رب هل من غفلة تنسى؟ هل من غمزة تنسى؟ هل من معاكسة تنسى؟ هل من أغنية تنسى؟ هل من صورة امرأة تنسى؟ {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} [الأنبياء:٤٧] حتى الهباءة، حتى الخردلة التي ترونها تدخل مع النافذة في شعاع الشمس أو الذرة: {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:٤٧] {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:١٤].