للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما قدر الله إلا بحكمة ورحمة وعدل]

أمة الإسلام: ينبغي أن نحمد الله على كل حال، ولو كنا في حال الحرب، ولو كنا في حال الدماء، ولو كنا في حال التضحيات، نحن أمةٌ تحمد ربها على كل حال، الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، كيف لا نحمده في هذا القدر العظيم الذي ما تخلفت عنه حكمته جل وعلا، وهل تظنون أن قدر الحرب قدرٌ لا حكمة فيه؟ تعالى الله عن ذلك، من قال: إن هذه الحرب بغير قدر فقد كفر ومن قال: إنه قدرٌ بغير حكمة فقد كفر، إن المؤمنين يؤمنون بأن قيام الحرب بقدر: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:٤٩] ويقول تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:٢٢] هذه الحرب مقدرة.

إذاً: في صميم عقيدتنا أن ما يدور الآن بقضاءٍ وقدر.

والقضايا بقضاءٍ وقدر والليالي عبرٌ أي عبر

وبعد ذلك أتظنونه قدرٌ بغير حكمة؟ لا.

يقول ابن تيمية: " إن الله جل وعلا ما قدر في الكون قدراً إلا وله سبحانه فيه تمام الحكمة، لأن الله سبحانه لا يقدر عبثاً، وما يقدر قدراً إلا وله فيه تمام العدل لأن الله لا يقدر ظلماً، وما من قدرٍ يقدره في الكون إلا وله فيه تمام الرحمة، لأن الله رحمته سبقت غضبه ورحمته وسعت كل شيء ".

فالحمد لله على قدر الله في سلمٍ أو حرب، وأمة الإسلام ينبغي أن تواجه قدرها، ألم يواجه النبي صلى الله عليه وسلم قدر بدر والصحابة يودون أن غير ذات الشوكة تكون لهم، ألم يواجه قدر أحد وقد كسرت ثنيته وشجت رباعيته ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجهه الكريم صلى الله عليه وسلم، واجه قدره وهو المعصوم صلى الله عليه وسلم.

وهكذا واجهت الأمة قدرها في خندق الأحزاب وبني قريظة وبني النضير وبني المصطلق، في جميع الغزوات واجهت الأمة قدرها وكان شأنها خيراً، وباءت وعادت بالخير والفضل، وانقلبت بفضل من الله ورضوان لم يمسسهم سوء، من مات منهم لم يتجاوز يومه وإنما أكرمه الله بموته شهيداً، ومن عاد منهم عاد سعيداً ما رضي بالذل والهوان خوفاً على النفوس والأرواح؛ القادسية وحروب الردة وقتال المرتدين من مانعي الزكاة، واليرموك، وبلاط الشهداء، وعين جالوت، وكل معارك الإسلام خاضتها أمة المسلمين وخاضها قادتهم مستسلمين راضين يحمدون قدر الله جل وعلا فيهم، فلماذا تتردد الأمة أو يصيب بعض أبنائها شيئاً من الألم أو من الحسرة على هذا الحال؟ لا والله.

بل نحمد الله جل وعلا، وشأن أمة الإسلام يوم أن تواجه هذا القدر وهي تذكر قول الله جل وعلا: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} [النساء:١٠٤] لأن المعركة فيها جراح وقتلى ودماء، ولكن أمة الإسلام تتذكر قول الله جل وعلا: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:١٠٤] {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:١٤٠].

يا أمة الإسلام: ينبغي أن نحمد الله جل وعلا، وأن نعيش غاية الأمن وغاية الطمأنينة في النفوس قبل البيوت، وفي البيوت قبل الأحياء، وفي الأحياء قبل المجتمعات، وفي المجتمعات قبل الدول، وفي الدول قبل سائر الأمور جميعاً.

نحن أمةٌ ما خرجت عن قدرها فلماذا هذا الجزع؟ ولماذا هذا الهلع؟ ولماذا هذا الخوف؟

خرجنا إلى الموت شم الأنوف كما تخرج الأسد من غابها

نمر على شفرات السيوف ونأتي المنية من بابها

ونعلم أن القضا واقعٌ وأن الأمور بأسبابها

ستعلم أمتنا أننا ركبنا الخطوب حناناً بها

فإن نلق حتفاً فيا حبذا المنايا تجيء لخطابها

وكم حيةٍ تنطوي حولنا فننسل من بين أنيابها

هذا نشيد أبنائكم، وهذا شعار سلفكم، فلماذا تتردد الأمة عن مواجهة أقدارها بكل صبرٍ وشجاعة، هل ظننتم أن الجبن يطيل في الأعمار؟ أم أن الشجاعة تقصر في الأعمار؟

فلسنا على الأعمار تدمى كلومنا ولكن على أعقابنا تقطر الدما

ترددت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما

ويقول سعد رضي الله عنه: [احرص على الموت توهب لك الحياة].

عبد الله بن رواحة رضي الله عنه لما خرج إلى المعركة ووجد في نفسه شيئاً لا يذكر قال:

أقسمت يا نفسي لتنزلنه

لتنزلنه أو لتكرهنه

قد أجلب الناس وشدوا الرنة

ما لي أراك تكرهين الجنة

يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا حِمام الموت قد صليت

وما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلِ فعلاهما هديت

يا حبذا الجنة واقترابها طيبةً وباردٌ شرابها

والروم روم قد دنا عذابها

ونحن نقول:

والبعث بعثٌ قد دنا عذابها كافرةٌ بعيدةٌ أنسابها

عليَّ إذ لا قيتها ضرابها

يا معاشر المؤمنين: نحمد الله جل وعلا على كل حال، عجباً لكم! عجباً لكم! عجباً لكم! بقول نبيكم صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إنه أمره كله له خير: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) ففي كل الأحوال أنتم على خير وفي خير وبخير، نحمد الله جل وعلا على مقاديره، ونسأله اللطف والعون والنصر والثبات والتأييد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم احمِ حوزة الدين، واحفظ أرواح المؤمنين، واحقن دماء المسلمين، اللهم أهلك البعثيين، اللهم أهلك طواغيت البعث وحرسهم الجمهوري، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم لقد ضجت الحيتان من بغيهم، وضجت الطيور من ظلمهم، وفزع الأطفال من فعلهم، اللهم فأفزعهم وسلط بعضهم على بعض، واقتلهم بأيديهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.