للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشرك بالله تعالى]

معاشر المؤمنين! لا شك أن الشرك بالله جل وعلا من أعظم الأسباب المحبطة للأعمال جميعاً، يقول الله جل وعلا: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون} [البقرة:٢١٧] ويقول الله جل وعلا في بيان أن الكفر محبط مهلك متلف للأعمال وثوابها جميعاً، يقول الله جل وعلا: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:٥].

بل وأعظم وأجل من هذا: أن الله جل وعلا يحذِّر نبيه من الشرك، والله يعلم أن الأنبياء لا يشركون؛ لكن لبيان خطورة هذه المسألة.

إن من الناس قد يشرك وهو لا يدري، وقد يقع في الكفر من حيث لا يشعر، فالحذر الحذر من أسباب الكفر، ومن وسائله ومقدماته، يقول الله جل وعلا: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥].

ويقول الله جل وعلا في شأن الرسل جميعاً: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:٨٨].

إذاً: فيا عباد الله! إن الله لا يقبل عملاً فيه شرك، مهما كان الإنسان صوَّاماً قواماً متصدقاً منفقاً، ما دام يفعل عملاً أو أمراً من أمور الشرك، فإن هذا كافٍ في إحباط العمل مهما بلغت درجتُه، ومهما علت منزلتُه، ومهما ظن به الناس الظنون, ومهما توقع لنفسه أعلى الدرجات؛ لأن الله جل وعلا يقول في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري، تركتُه وشركه).

وأنتم تعلمون -يا عباد الله- أن الله خلقنا لعبادته: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦].

ولم يقبل عبادةً مطلقة، بل قبل عبادة خالصة لوجهه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:٥] ولا تكفي العبادة مع الإخلاص، بل لابد من المتابعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية لـ مسلم رحمه الله: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فالعمل لا بد أن يكون خالصاً، ولا بد أن يكون صواباً صحيحاً سليماً على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

أيها الأحبة في الله! مهما بلغ ما تسمعون عنهم من الطوائف المنحرفة، والملل الضالة، مهما تظاهروا بالإسلام، ومهما طبقوا أحكام الإسلام في ظاهر معاملاتهم، وفي محافلهم ومؤتمراتهم، وفي أماكن اجتماعاتهم، أعني بذلك: الرافضة الاثني عشرية؛ فإنهم في حقيقة الأمر يصدق عليهم قول الله جل وعلا: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:٣ - ٤].

إن كثيراً من شباب الإسلام يوم يرون سفيراً من سفرائهم، أو رجلاً من رجالهم، أو تاجراً من تجارهم يطبق أحكام الإسلام، ويطبق القواعد التفصيلية الفرعية في ظواهر أمره وفي ذهابه وإيابه، يرون واحداً منهم يتقدم الناس يصلي بهم، ويرون الآخر يخطبهم، ويرون الثالث يدعوهم، يقولون: هذا هو الإسلام لا غير، وقد جهلوا أن أولئك ضيعوا أموراً كثيرة أوقعتهم في الشرك، وأوقعتهم في الكفر والعياذ بالله فكانت سبباً لإحباط أعمالهم.

إن الله جل وعلا لا يقبل إلا عملاً خالصاً صواباً، لا يقبل إلا إيماناً كاملاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:٢٠٨].

لا تؤمنوا ببعض وتكفروا ببعض، لا تطبقوا شيئاً وتتركوا شيئاً.

إن الله أمرنا أن ندخل في دينه جُملة وكافة.