للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رحمته صلى الله عليه وسلم في تعليم أصحابه]

ومن رحمته ولطفه في تعليم صحابته صلى الله عليه وسلم ما جاء في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: (بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فزجره أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: دعوه لا تزرموه -أي: اتركوه حتى ينتهي من بوله- ثم قال صلى الله عليه وسلم للأعرابي لما انتهى: إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن -ثم التفت النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وقال-: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه دلواً من ماء) لأن من الناس من إذا وقع في زلة أقام أحدهم الدنيا ولم يقعدها؛ لأنه أخطأ، فلا يأتيه باليسر، ما يأتيه باللين، ما يأتيه باللطف، بل البعض ربما يتمنى أن يجد من يخطئ حتى يتعنتر عليه في توجيهه وإرشاده ولا حول ولا قوة إلا بالله! وعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه (بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فنظر الصحابة إليَّ الصحابة وهم يضربون بأيديهم على أفخاذهم فقلت: وا ثكل أمياه، ماذا فعلت؟!) أي: في المرة الأولى قال: يرحمك الله، فأخذوا ينكرون فعله هذا ويضربون بأيديهم على أفخاذهم؛ فقال: وا ثكل أمياه! ماذا فعلت حتى تفعلوا بي هذا؟! فلما انتهت الصلاة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المتكلم في الصلاة، فقال معاوية: (أنا يا رسول الله.

فقال معاوية: بأبي وأمي هو صلى الله عليه وسلم، والله ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، فقال صلى الله عليه وسلم لـ معاوية بن الحكم السلمي: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه الإمام مسلم.

ما أجمل هذا الأدب! ما أعذب هذا التعليم! ما ألذ هذه المعاملة! ما أطيب هذه النفس التي تجعل الحجر الأصم ينقلب إلى ألين ما يكون، وأسهل ما يكون، وأقبل ما يكون للإرشاد والتعليم!