للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعوى ""لم يحن الوقت بعد""]

من السبل التي يتهرب بها كثير من الشباب عن تحمل مسئولياتهم، يقول بعضهم: لم يحن الوقت بعد، حتى الآن لم يأتِ الوقت المناسب حتى أتحرك، ومتى يحين الوقت المناسب حتى تتحرك أطال الله عمرك؟ مثلما قال:

حرب حزيران انتهت

وكل حرب بعدها ونحن طيبون

حتى تغلل اليهود في بلادنا ونحن راجعون

صاروا على مترين من أبوابنا ونحن عائدون

ناموا على فرشنا ونحن راجعون

لم يحن الوقت بعد

كل يوم مصيبة ولم يحن الوقت بعد! مصائب المسلمين تترى ولم يحن الوقت بعد! متى يحين الوقت إذاً؟

قيل انتظار نضوج الكرم ما انتظروا نضج العناقيد لكن قبلها التهبوا

واليوم تسعون بليوناً وما بلغوا نضجاً وقد عصر الزيتون والعنب

جاء المنجمون أيام عمورية وقالوا للقائد: انتظر حتى يكن الكوكب الغربي في الذنب وحتى يقطف العنب، وحينئذٍ يكون طالعك السعد حينما تغزو، فقال المعتصم: لا ننتظر عنباً ولا ذنباً، نغزو وننصر تلك المرأة التي قالت: وامعتصماه.

اليوم صبرنا، وعصر الزيتون والعنب وصار مخللاً وما تحرك ذلك الذي يقول: لم يحن الوقت بعد، لم يحن الوقت بعد، وبالذات أعاتب شباب الجامعات والمدرسين وطلبة المعاهد العليمة وطلبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالذات، والجامعات الإسلامية أمة القرى وجامعة الملك عبد العزيز، والجامعة الإسلامية بـ المدينة، عندكم علم لو عرضتموه على واقع المسلمين لوجدتم أنكم قمة بالنسبة لهم، فماذا قدمتم؟ قوارير عطر مغلقة، نعم يوجد داخل الزجاجة عطر، لكن واحداً لن يشم أريجاً ولو لحظةً واحدة، والسبب مجموعة معلومات وعدم نفع، وعدم نشر، وعدم سعي بهذا العلم، فيا أخي الكريم! بلّغ وانفع من علمك بما أتاك الله سبحانه وتعالى.

الذي يقول: لم يحن الوقت بعد.

إذا كان يؤذيك حر المصيف ويبس الخريف وبرد الشتاء

ويلهيك حسن زمان الربيع فأخذك للعلم قل لي متى

متى تبدأ بالعلم والدعوة إذا كان هذا حر، وهذا برد، وهذا يمين وهذا يسار؟!! والله جل وعلا بين أن من شأن أولئك المنافقين، الذين قالوا: لا تنفروا في الحر، الوقت غير مناسب: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً} [التوبة:٨١ - ٨٢] قضية التسويف والتأجيل ولم يحن الوقت بعد، والله ما أظن أن وقتاً الأمة الإسلامية بأمس الحاجة إلى أموال أبنائها وجهد أبنائها وفكر أبنائها، وسعي أبنائها ورجالها ونسائها مجتمعين في مثل هذا الزمن الذي باتت العداوة فيه صراحة منكشفة علنية ضد الإسلام وفي مواجهة الإسلام، ولا نحتاج إلى أن نبرهن على هذا كله.

وبعض الشباب يقول: الظرف الآن لا يناسب أو لم يحن الوقت بعد، وكل ظرف بعده ظرف لا يناسب.

وإني أقول لكم: انظر إلى ظرف يوسف عليه السلام وهو أنه في السجن، وما جعل رأسه بين رجليه، ويديه على خديه، وقال: واحسترك يا يوسف! لقد جُعلت عبداً وأنت حر، وألقيت في غيابة الجب وأنت بريء وأنت الحبيب إلى أبيك فصرت قصياً؟ لا، لما دخل السجن التفت يمنة ويسرة؛ فبدأ بالدعوة: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف:٣٩] أي: لا يوجد هناك وقت اسمه وقت دعوة ووقت جلوس عن الدعوة، نعم قد يكون من مصلحة الدعوة عدم طرح بعض المواضيع في فترة معينة، وترك بعض المواضيع قاطبة لفئة من علماء الأمة الكبار، قد يكون هذا من مصلحة الدعوة؛ لكن لا يعني ذلك التوقف عن الدعوة أبداً، ويعقوب عليه السلام والموت يدنو وقد بات وشيكاً منه: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} [البقرة:١٣٣] هذا وقت تنازع فيه الروح، سكرات الموت {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي} [البقرة:١٣٣] سبحان الله العلي العظيم! ما قال: والله هذا وقت غرغرة، ما أنا فارغ لأولادي بل قال: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة:١٣٣] إلى آخر ما قالوا.

والنبي صلى الله عليه وسلم في اللحظات الأخيرة من سكرات الموت، ويقول: (أشهد أن لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات، اللهم أعني على سكرات الموت) ولما حانت اللحظة الأخيرة قال: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) أمة لا تعرف التوقف عن الدعوة في أي حال من الأحوال.

وأما صاحبنا الحبيب الذي نقول له: تحرك، ادع، اعمل لهذا الدين، تحمل مسئوليتك، فيقول: الوقت غير مناسب، لم يحن الوقت بعد، لم يحن الوقت بعد.

ابن تيمية مؤلفات كثيرة ألفها في السجن، ما قال: والله هذا مكان لا يناسب فيه التأليف أو الدعوة، لما انقطع به السبيل عن الدعوة باللسان؛ سخر القلم للدعوة إلى الله جل وعلا في السجن، وكذلك الإمام أحمد وغيره.

وبعض أحبابنا تجد له زلة أو زلتين أو هنة أو هنتين، ويقول: إني إذا ذكرت فعلتي تلك لا أستطيع أن أدعو إلى الله، إني إذا ذكرت غلطتي تلك لا أستطيع أن أتحمل مسئولية، وكيف أتحمل مسئولية وأنا قبل ليلة فعلت واجترحت! يا أخي الكريم! لا تجمع مع الذنب ذنباً بترك العمل، وإهمال المسئولية، بل كفِّر ذنوبك بتحمل المسئولية والبذل لأجلها، إن أبا محجن رضي الله عنه مع أنه كان مدمناً للخمر، ما قال: إني مدمن للخمر ولا حاجة ولا داعي أن أخرج للقتال مع سعد بن أبي وقاص في القادسية، وإنما خرج ومن شدة ولعه بالخمر شربها هناك، فكانت عقوبته أن يمنع أن يشهد ساحة المعركة، فيربط في القيد، ولما سمع الصهيل والصليل أخذ يردد أبياته المشهورة:

كفى حزناً أن تطرد الخيل بالقنا وأترك مشدوداً عليّ وثاقيا

إذا قمت عناني الحديد وغلقت مصارع دوني قد تصم المناديا

وأخذ ينادي سلمى زوجة سعد بن أبي وقاص، ويقول: يا سلمى! فكي قيدي، والله لك علي إن عدت حياً أن أضع نفسي في القيد، ما قال: والله أنا شارب خمر وما فكر بالشهادة في سبيل الله، قال: يا سلمى فكي هذا القيد، يريد أن يقاتل، فتعطيه سلمى البلقاء فرس سعد، وينزل أبو محجن وسعد بن أبي وقاص كان مريضاً، وشهد المعركة عن بعد من المعمعة، لكنه لم يكن في وسط المعركة، ومع ذلك يلام على ذلك وقيل فيه ما قيل:

فعدنا وقد آمت نساء كثيرة ونسوة سعد ليس فيهن أيم

أي: سعد بعيد عن المعركة، ما تتأيم واحدة من نسائه، ومع هذا كله ينظر سعد إلى ذلك الفارس الذي يفلق هام الكفار فيقول: [الكر كر البلقاء، والطعن طعن أبي محجن، ولكن أبا محجن في الحبس والبلقاء في القيد]، فيعود وتخبره سلمى وتقول: بلى هي البلقاء وذاك هو أبو محجن، فيعود بعد ذلك ويقول: [والله لا جلدتك بعدها] ثم يقول أبو محجن: [والله لا شربتها بعد اليوم] كنت أشربها حين أطهر منها، أما الآن فو الله لا أشربها أبداً.