للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[واجب من حضر مجالس القيل والقال]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة في الله! إننا بحاجة إلى أن نرفع شعاراً وراية في مجالسنا ولقاءاتنا، وأماكن تزاورنا، هي أن نسأل عن المصادر والأصول والمرجع، فلا يقبل عاقلٌ أن يجعل عقله زجاجة أو إناء يصب فيه من خليط الكلام ورديء القول وساقط الافتراء، إن عاقلاً لا يرضى أن يقدم جوفه وعقله وقلبه إناءً ليصب فيه المتكلمون ما يشاءون، فكل كلمة أسعفها الدليل، وأيدها النص، وظهرت عليها علامات الصدق، فحيهلا بها وبقبولها، ومن لم يسعفه الدليل فلا مكان له ولا منزلة، في قلوب وعقول العقلاء، ذوي الحجا والألباب.

أيها الأحبة: إذا دار الحديث في مجالسنا عن القيل والقال، وأعراض الرجال، فعلينا أن نعلم الأمور التالية: أولاً أننا لا نتكلم في معروف، ولا نجمع حسنات، وإنما نتكلم في منكر، ونسدي إلى المتحدث عنهم حسناتنا، ونكسب زيادة على ذلك آثاماً وسيئات.

الأمر الثاني: أننا لم نرسل على الناس حافظين، نحصي عليهم أعمالهم وأقوالهم.

الأمر الثالث: أن واجبنا إذا جلسنا مجلساً وسمعنا فيه القيل والقال، أن نقول للمتحدث: كف لسانك عن هذا، أعطنا أية من كلام الله، وحديثاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تجعل صناديق ساعاتنا نلقى بها يوم القيامة غيبة وفرية وشائعة ونميمة.

الأمر الرابع: يشرع لمن تكلم في عرض مسلم في مجلسه، أن يذب عن عرضه، فمن ذب عن عرض أخيه ذب الله عن عرضه النار يوم القيامة، حتى ولو تكلم المتكلمون في مجلسك عن رجلٍ أنت تخالفه في منهجه، أو في أسلوبه وطريقته، فالخلاف قديم ومعروف بين طلبة العلم والعلماء والفقهاء، ولكن الخلاف لا يبيح الكلام في الأعراض، ولا يجيز الغيبة، ولا يبيح النميمة، ولا يسقط الحقوق، ولا يسقط الواجب علينا تجاه أعراض إخواننا، حتى لو اختلفنا معهم، فضلاً عمن اتفقنا معهم.

الأمر الخامس: أن من واجبنا إذا علمنا أن أحداً لا هم له إلا النقل والقيل والقال، والسعي بالشائعة والكلام، علينا أن نطرده من مجالسنا، وألا يبقى معنا، إلا إن يخوض في حديثٍ غيره، بعد أن يتوب إلى الله ويعلن التوبة والمناصحة.

إننا بحاجة إلى أن نصلح سلوكنا، إننا لسنا بحاجةٍ أن نصلح أوضاعنا الاقتصادية فحسب، أو نصلح أوضاعنا السياسية فحسب، أو نصلح أوضاعنا الإعلامية أو التربوية أو الاجتماعية والتعليمية فحسب، بل نحن بأمس الحاجة أن نصلح سلوكنا، وأخلاقنا، وطبائعنا، وأموراً ترددت في مجالسنا، وتعوَّد البعض على نقلها في كلامه، وأصبحت أمراً يغض البعض فيه عن البعض طرفاً.

وذلك من السكوت عن المنكر، وما هكذا يكون المؤمنون، بل إن الله وصف المؤمنين بأنهم الذين يؤمنون ويعملون الصالحات، ويتواصون بالحق ويتواصون بالصبر، فأين التواصي بالحق في المجالس؟ هل فينا جرأة إذا تكلم أحد في عرض أن نقول له: اسكت أو اخرج؟ هل فينا جرأة إذا وجدنا المجلس قد أطبق على الكلام في عرض غافلٍ، أو عرض مبتلى، أو مسكين، أن نقول: اسكتوا أو نخرج؟ هذا هو واجبنا، وأن نبرأ إلى الله من أن نحضر أو نجلس، وإخواننا تشرَّح أعراضهم أو يتكلم فيهم أياً كانوا، حتى ولو كان المتكلم فيهم على طرفي نقيض في الوسائل والأساليب، أليسوا يجمعهم بنا، ويجمع بعضهم مع بعض الإسلام والإيمان والدعوة والغيرة والإصلاح؟ فلماذا الحديث في الأعراض؟ لماذا القيل والقال؟ لماذا نقل الكلام؟ نعم.

لما خلت العقول عن النافع المفيد، وخلت القلوب عن الخوف والوجل والخشية، ما بقي في العقول بعد زوال النافع إلا الضار، وبعد زوال المفيد إلا المضل، وبعد زوال الهدى إلا الضلالة.

هذا شأن كثير من الناس، الذين يتكلمون بساقط القول ورديء الكلام، وإن الألسنة مغارف القلوب، فمن كان قلبه إناءً لكلام الله ورسوله، أول ما يخرج من لسانه قول الله وقول رسوله، ومن كان قلبه إناءً للأعراض والقيل والقال والشائعات، أول ما يخرج من لسانه: قيل في فلان، وروي عن فلان، وحدث عن فلان، وسئل فلان عن فلان، فقال في فلان ما قال.

وما لهذا خلقنا، وما بهذا وكلنا، ولكن إن الإنسان إذا ضل عن الهداية، تفنن وأمعن في الغواية.

يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن

اللهم سلم أعيننا من الخيانة، وألسنتنا من الكذب، وقلوبنا من النفاق، اللهم ارحم إخواننا المسلمين في كل مكان، اللهم ارحم إخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم فرج لإخواننا المكروبين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم من نقل الكلام بيننا بغفلةٍ أو بجهل أو بخطيئة لا يعلم بها، اللهم فتجاوز عنه ولو تكلم في أعراضنا، اللهم سامحه ولو تكلم في ذواتنا، اللهم اجعل سيئاته حسنات ولو تكلم عنا، اللهم ومن تكلم فينا وفي إخواننا يريد إفساد مجتمعنا، ويريد إحداث الفتنة بين الولاة والدعاة والعلماء والعامة، اللهم فأخرس لسانه، وعطل أركانه، واهتك أستاره، وافضح أسراره، وأرنا فيه عجائب قدرتك يا رب العالمين.

اللهم اكشف منكره وباطله بين الخلائق حتى يتجنبوه، وحتى يشيروا إليه فلا يقبلوه بقدرتك يا رب العالمين! اللهم أمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمع شملنا وحكامنا وعلماءنا ودعاتنا، والجميع فينا على الهدى والحق يا رب العالمين، اللهم لا تفرح علينا عدوا، ولا تشمت بنا حاسداً يا رب العالمين، اللهم أبرم لأمتنا أمر رشد يؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، ويعز فيه أهل الدعوة والطاعة، ويذل فيه أهل المعصية يا رب العالمين.

اللهم ولِّ علينا خيارنا، واكفنا شرارنا، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا أيماً إلا زوجته، وذرية صالحة وهبته، بمنك وكرمك يا رب العالمين! اللهم انصر إخواننا المستضعفين في البوسنة والشيشان، اللهم أيدهم بتأييدك، اللهم انصرهم بنصرك، اللهم أنزل جنودك من السماء، التي لا يعلمها إلا أنت تقاتل معهم، وتدفع بأمرك وقدرك عنهم كيد عدوهم، اللهم ثبت أقدامهم، ووحد كلمتهم وصفهم، وسدد رصاصهم ورميهم، وأقم على الدين دولتهم، واطرد المنافقين من صفوفهم، اللهم عليك بالصرب والروس واليهود ومن شايعهم، اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا، اللهم اجعل سلاحهم في نحورهم، واجعل كيدهم على صدورهم، وخالف بين قلوبهم، واجعلهم غنيمة للمسلمين.

إلهنا لا ترفع لهم راية، إلهنا اجعلهم لمن خلفهم آية، إلهنا لا تجعلهم يدركوا من المسلمين غاية بقدرتك يا رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم على محمد، اللهم صلِّ وسلم على نبينا وحبيبنا وإمامنا وقدوتنا في الخير كله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وعلى أزواجه ومن اقتفى أثره، واستن بسنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.