للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل الدعوة إلى الله وتعليم الدين]

يا إخواني! الواجب والمسئولية والدور يقع عليكم أنتم، كم يوجد في سجون المخدرات من الشباب؟ لو أن كل واحدٍ مع صديقه، عقدا العزم على أن يسخرا ويسلطا جهودهما لعلاقة بذلك الشاب المنحرف في زيارته وذهاب معه، وإياب به، وهديته ودعوته ومخالطته وقطع الطريق بينه وبين الأشرار الذين يزينون له المعاصي، والله لأنتجتم للمجتمع خيراً كثيراً.

يا شباب الإسلام! هذا هو الدور المنتظر، لو أن كل اثنين أو ثلاثة منكم عقدوا العزم على أن يحدثوا في هذا المجتمع خيراً لأحدثوه، بلادنا فسيحة والناس بحاجة إلى من يعلمهم جزءاً من القرآن الكريم، وعشرة من الأحاديث، وجملة من الأحكام، وشيئاً من أصول العقائد، وأنتم تتقنون هذا، كما قلت: الذين ذهبوا إلى بانكوك ومانلا، هل هم لا يعرفون الصلاة؟ بل ربما الواحد منهم صلى سنين طويلة، ولا يزال يصلي، فهذا الذي سافر وهو يعرف الوضوء والصلاة ويعرف الفاتحة ويعرف شيئاً من القرآن، لو مد الخطوة ساعتين وترك طاعة الشيطان إلى الدعوة إلى دين الله جل وعلا، وعلم عشرين أو ثلاثين مسلماً الوضوء والفاتحة، والتوحيد، لعاد يوم القيامة بأجر آلاف المسلمين.

إن الواحد منكم، يمكن أن يبقى واحداً، ويمكن أن يصبح مائة، أنت أيها الشاب! بإمكانك أن تكون واحداً، ولدت واحداً، وتعيش واحداً، وتموت واحداً، وبإمكانك أن تكون مائة، وبإمكانك أن تكون ألفاً، وبإمكانك أن تكون عشرات الآلاف، كيف تبقى واحداً؟ إذا كان جهدك حول نفسك.

طعامك وشرابك ونومك وسيارتك وحاجتك ملهياتك، لا يكون عندك شيء من اهتماماتك الرخيصة، وبإمكانك أن تكون مائة يوم أن يكون وقتك في الدعوة إلى الله، قدوة لتطبيق ذلك على نفسك، واستقامة على مرضاة الله، ودعوة الآخرين والصبر على الأذى فيه، والصبر على ما ينالك في هذا:

والناس ألف منهم كواحد وواحد كالألف إن أمر عنى

يا شبابنا! هذه الأرض فيها من رميم البشر قبلنا شيء كثير، خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد، الأرض التي تسيرون عليها قبلكم أمم سارت عليها ودفنوا الآن تحتكم، أنتم تمشون على رميم أمم قبلكم في هذه الدنيا، وستمشي أقوام على رميمكم، ولكن أين ستكون أرواحكم؟ في أعلى عليين أو في أسفل سافلين: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} [الواقعة:٨٩] أو تكون في زقوم وحميم ولا حول ولا قوة إلا بالله.

يا شباب الإسلام: إياكم أن يأتي الشيطان لأحدكم، فيقول: أنت لا تستطيع أن تكون صالحاً ولا مصلحاً، إياكم أن يأتي الشيطان إليكم، فيقول: أنت أيها التافه أيها الحقير يا صاحب الرصيف! يا صاحب التفحيط! يا صاحب الدخان والشيشة! يا صاحب المطرب! يا صاحب التمثيلية! والفلم! يا صاحب كذا، إنما أنت هينٌ حقيرٌ تافه، ويبدأ يحقر من شأنك فتنقاد للشيطان، وإذا أردت أن ترفع نفسك، ضربك الشيطان ضربة على أم رأسك، وقال: اجلس يا ذليل يا حقير يا تافه.

حينما تذل للشيطان فإن الشيطان لن يدعك، لن يدعك الشيطان تشم نسمة من نسمات العزة، ولكن إن أردت الحق، فأنت عزيز بعزة الله، قوي بقوة الله، غني بفضل الله، عليم بما علمك الله، كريم بما أكرمك الله به، تستطيع أن ترفع من نفسك.

وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام

إخوانكم الشباب في أفغانستان، شابٌ بالأمس كان من أهل التفحيط والفساد، أصبح قائداً على جبل كرجل، شابٌ كان بالأمس في المنطقة الشرقية لا هم له، ولا هم لجهاز الأمن إلا مطاردته من كثرة جرائمه ومعاصيه، فلما فتح الله عليه، يسمي بالله ويمسك الشيوعي ويذبحه بالسكين على رقبته، الله أكبر! أي إيمان جعل من هذا الحقير التافه الذليل صاحب المعاصي والمنكرات والفواحش والسيئات، رفعه إلى درجة أصبح يضع رجله على رقبة الشيوعي ويسل السكين ويذبحه، وهو يقول: إيماناً بالله وتصديقاً بسنة رسول الله في الجهاد: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة:١٤].

قال: والله لما ذبحتهم بيدي وجدت شفاء روحي، ووجدت راحةً في صدري؛ لأنهم قتلوا عدداً من إخواني المجاهدين، فما وجدت شفاء الصدر إلا في هذه الآية، لكن أين كان بالأمس؟ كان منحرفاً، وكان يعاكس ويغازل، وكان له صديقات، وله أمور عجيبة جداً، فلما أكرمه الله بالتوبة، والتوبة تجب ما قبلها، والله يفرح به (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم أضل ناقته في فلاة وعليها طعامه وشرابه، فلما تيقن هلكته، توسد يده موقناً بهلاكه، فلما أفاق وجد راحلته عنده، فقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح).

إذا كان هذا فرح ربنا جل وعلا، فمن واجبنا أن نفرح بتوبة إخواننا، وأن ندعوهم إلى التوبة، وأن نفرح بتوبتهم، وأن نقدم لهم وقتنا، وهديتنا، ودعاءنا بظهر الغيب، ونصحنا، ولكن أين الذين يعملون؟ أين الذين يدعون إلى الله جل وعلا؟ أين الذين يحرصون على الدعوة؟ إن دعوة الشاب الضال والمنحرف والذي وقع في كثيرٍ من الأمور لا تحتاج إلى شهادة الليسانس أو بكالوريوس أو ماجستير أو شهادة من الشهادات العلمية العصرية، تحتاج دعوة هؤلاء أولاً: إلى إخلاص، وإلى نية صادقة ورغبة كما هداك الله أن يهديهم الله: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [النساء:٩٤].

أن يمنّ الله عليه بما منّ الله عليك، توبة صادقة، ومن ذاق لذة الدعوة إلى الله بعد توبة نصوح صادقة، والله لا يكل ولا يمل أبداً و (ما مع الحب إن أخلصت من سأم).

يوم أن تكون محباً لهذه الدعوة مخلصاً إياها لوجه الله جل وعلا، فلن ترَ سأماً ولا مللاً.

يا إخواننا! يا من جمعتم وتجمعتم في هذا المكان الطيب المبارك! أسألكم بالله: هل فيكم من قال: أنا لها؟ هل فيكم من قال: سمعنا وأطعنا؟ هل فيكم من قال: استفدنا مما سمعنا؟ هل فيكم من قال: عرفت فالزم؟ {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:٦٦] لو فعلتم ما تسمعون وطبقتم ما به تنصحون، لكان خيراً لكم وأشد تثبيتاً: {لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً * وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ} [النساء:٦٦ - ٧٠].

هذه أفضال الله، وهذه نعم الله، وهذه بركات الله تتدفق عليكم تترى، ولكن من المؤسف -كما قلت- أن تعرض علينا العزة فنختار الذلة، وتعرض الكرامة فنختار الهوان، ويعرض الغنى فنختار الفقر، ويعرض الخير فنختار الشر، وتعرض الهداية فنختار الضلالة، وتعرض الاستقامة فنختار الانحراف، معاذ الله أن نكون كذلك.

أسأل الله جل وعلا بأسمائه وصفاته، أسأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، أسأله بكل اسم هو له، سمى به نفسه، أو أنزله في كتابه، أو علمه أحداً من خلقه، أو استأثر به في علم الغيب عنده، أن يمنحكم نفحةً من بركاته، وأن يمنحكم بركةً من فيض رحمته، وأن يمنحكم خيراً وتوبة، وإيماناً ودعوة، وإخلاصاً وصدقاً، وثباتاً واستقامة حتى نلقى الله بذلك وإياي والسامعين وإياكم أجمعين.

أيها الأحبة: قد زانت هذه الليلة، والليالي تزينها الأقمار، وتعطر هذا اللقاء وازدان هذا المجلس بحضور والدنا وحبيبنا وشيخنا نسأل الله أن يجعله مباركاً أينما كان، نسأل الله جل وعلا أن يجعل كل خطوة من خطواته في موازين أعماله، نسأل الله أن ينفعنا بعلمه، وألا يحرمنا بركته، وأن يريه ما تقر به عينه فيكم وفي أبنائكم وفي ذريته وأبناء ذريته من الهداية والاستقامة والعلم والعمل والدعوة، ذلكم هو سماحة الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين قد زين هذا اللقاء متواضعاً بمجيئه، أسأل الله أن يرفع درجاته في عليين.

اللهم ارفع درجاته في عليين، واجعلنا بركبه سائرين على نهج سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.