للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا اعتراض على تعدد الزوجات ولكن عاشروهن بالمعروف]

أيها الإخوة: وأمام هذه الصورة المأساوية نقف قليلاً موضحين لما سبق أنه لا اعتراض لأحدٍ على تعدد الزوجات، وأنه أمرٌ شرعيٌ لا شك في سنيته وترغيب الشريعة فيه، ولكن هنا ألف اعتراض واعتراض على تعدد الزوجات لمن سيعامل زوجته الأولى بذلك الأسلوب، وهنا ألف اعتراض واعتراض على تعدد الزوجات لمن سيعامل زوجته الأولى بتلك الطريقة؛ لأن العدلَ شرطٌ في التعدد، ومن كانت تلك سجيته، وذاك سلوكه في معاملة زوجته الأولى، فهو في وادٍ والعدل في وادٍ آخر، فليتق الله، ولا يحمل نفسه من الإثم والعذاب ما لا يطيق، وذلك بالجور والجنف والميل المتعمد في المعاملة والمعاشرة.

فإلى الذين يقعون في تلك المشاهد السيئة من المعاملة والمعاشرة لأزواجهم، وأمهات أولادهم، وينسون المعروف والجميل، لسبب زوجةٍ عارضةٍ جديدة، وفتاةٍ صغيرة.

إلى أولئك الذين نسوا حق الزوجة الكبيرة التي صبرت على آلام الفقر، ورضيت بالعيشة قانعةً بزوجها على أقل القليل من الطعام والشراب، راضيةً بالضيق من السكن والمكان.

إلى أولئك الذين تزوجوا بنات الأمس، وأمهات اليوم، ولم يشترطن عليهم بالزواج خادماتٍ أو سائقين.

إلى أولئك الذين لم تثقل كواهلهم بالمهور الغالية والصداق الباهظ.

إلى أولئك الأزواج جميعاً نقول: اتقوا الله، اتقوا الله، اتقوا الله! أهذا جزاء الإحسان؟! أهذا جزاء الصبر والمصابرة على أيام عيشٍ مضت بين الفقر والضيق والضراء؟! أهذا هو الوفاء بالمعروف؟! أهذا هو رد الجميل أن تجعل ضرتها في وجهها وتسكن معها وهي كارهةٌ غير راضيةٍ بمساكنتها؟! أمن حسن العشرة أن تجعل الزوجة الثانية الصغيرة أمام الزوجة الأولى الكبيرة لتجرح قلبها وفؤادها؟! حينما يضاحك الزوج هذه الزوجة الصغيرة، وحينما ترى الزوجة الكبيرة ضرتها الصغيرة، وهي في شباب أنوثتها وصغر سنها، وهي ترى زوجها يميل إليها بنظراته، ويضاحكها بعباراته، ويسارقها الحركات والألفاظ والعبارات.

إن هذا لأكبر جرحٍ لشعور أمٍ مسكينة، إن هذا لأكبر ظلمٍ لمشاعر وفية صادقة، إن هذا لأسوء جزاءٍ يجزى به المعروف والإحسان.

أيها الإخوة: نعود فنقول: إن هذه ليست دعوة إلى ترك التعدد وعدم الزواج، بل إنما هو دعوة إلى حسن المعاشرة، خاصةً مع ذلك الجيل الوفي الصادق من النساء الذي يندر أن نجد مثله في هذه الأيام، ذلك الجيل اللاتي قدمن أفضل التضحيات وأجملها في سبيل الحفاظ على رباط الزوجية الكريم، وتربية النشء الصالح، مهما كدرته شوائب الفقر والمرض، وضيق المسكن وقلة ذات اليد.

إلى أولئك الذين وقعوا في هذا المشهد الاجتماعي الأليم، ننصحهم ألا يجمع المرأة بجارتها أو ضرتها إلا برضىً منهما، وإلا فليقسم الدار قسمين، وليكن قريباً منهما، وهما منفصلتان عن بعضهما، أو فليجعل داراً مستقلةً أخرى إن قدر على ذلك.

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجمع بين امرأتين تحت سقفٍ واحد، فلكم في رسول الله أسوةٌ حسنة، ننصح أولئك ألا يتحدث الواحد منهم بجمال زوجته الصغيرة أمام الأخرى، وخواص أمورها، من لباسٍ أو فراشٍ أو غيره، لأن ذلك يشعل الغيرة، ويؤجج نيرانها، وربما أدى ذلك إلى الانتقام بما لا تحمد عقباه، والعياذ بالله.

ننصح أولئك بحسن الخلق ولطف المعاشرة للجميع، وليتذكر الجميع قول الله سبحانه وتعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:١٩] فأين المعروف في هذا التصرف؟! وأين الإحسان في هذا السلوك؟! أمن المعروف أن تجعل الفتاة الصغيرة، تتباهى بجمالها وإظهار مفاتنها أمام زوجتك الأولى الكبيرة، لتجرح كبرياء الأم، وتكسر مشاعرها التي قدمت وتقدم كثيراً مما لا يتسع المجال لذكره.

أمن حق هذه الأم التي صبرت معك على الفقر والآلام، وعلى الضراء والسراء، وعلى الحل والترحال، أمن معاشرتها بالمعروف أن تبادل ضرتها الصغيرة بنظراتٍ وعباراتٍ لتجعل في ذلك خنجراً يطعن قلبها، ولتجعلها لا تجد شكوى إلا إلى ربها؟ فتنطلق مسكينةً مهرولة؛ هذا ما سمعته، وهذا ما نقل إلي، وليس افتراضاً كما قلته لكم، بل هو واقعٌ ويتكرر ويكثر وقوعه في مجتمعنا.