للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أنواع البلايا وأعظمها]

هي حكمة بالغة فما تغن النذر هي حكمة بالغة؛ لأن الله جل وعلا حكيم عليم، يُبتلى العباد بهذا وبأشكاله وأضربه وأنواعه، وكل هذا يهون إلا أن تكون البلية في الدين.

إذا كانت بلية المرء في دينه ومعتقده، وإذا كانت بلية المرء في إقباله على الله وفي صلاته وعبادته فذاك الخطر كل الخطر، والمصيبة كل المصيبة؛ لأن المصائب بأنواعها ربما تهون إلا مصيبة الدين.

وكل كسرٍ فإن الله يجبره وما لكسر قناة الدين جبران

من كل شيء إذا ضيعته عوضٌ وما من الله إن ضيعته عوض

أيها الأحبة: إذا تقرر هذا فلنعلم أن الدنيا بلاء بأنواعها.

إنما الدنيا بلاء ليس للدنيا ثبوت

إنما الدنيا كبيت نسجته العنكبوت

كل من فيها لعمري عن قريب سيموت

إن ما يكفيك فيها أيها الراغب قوت

فقد يكون الابتلاء حتى بظاهر ما يسر العبد به من زيادة النعم، وقد يكون استدراجاً ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} [القلم:١٧] ابتلوا بنعمة ونعيم، وقد يكون الابتلاء باليسر والعسر، والمنشط والمكره، والحبيب والبغيض، قال تعالى: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف:١٦٨] وقد يبتلون بما يؤمرون به فهل يعملونه ويقيمونه ويبتلون بما ينهون عنه؟ هل يرعوون وينزجرون عن فعله؟ {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:٣١] قال ابن كثير في التفسير: "أي لنختبرنكم بالأوامر والنواهي".

أيها الأحبة: إن العبد يبتلى يوم أن يسمع "حي على الصلاة" "حي على الفلاح" فيسقط كثير من الناس في معركة الفراش والوسادة أمام داعي التوحيد، ويبتلى العبد أمام دريهمات من المال فترمي به نفسه في أحضان الحرام، ويستعجل أرزاقاً كانت قد كتبت له بالحلال، يستعجلها بالحرام، ويبتلى العبد في أحوال كثيرة بصورة أو فلم أو ملهاة أو عزف أو طرب، فربما فشل في هذا الامتحان اليسير.

إن العباد يبتلون بالأوامر والنواهي {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:٢] من هو أحسنكم في فعل الواجب والقيام به؟ ومن هو أصبركم على ترك المعصية؟ ومن هو أقدركم على تركها والتجافي والبعد عنها؟ إن العبد يبتلى في كل شيء، في كل أمر بطاعة يبتلى، وفي كل زجر عن معصية يبتلى.